محمد الخنيفر
الغالبية العظمى منا تدرك أن البجع لونه أبيض. على الأقل كان ذلك ما يعتقده الأوروبيون حتى القرن السابع عشر.. إلا أن افتراضية «كل البجع أبيض» قد تناثرت في القرن الثامن عشر عندما اكتشف المهاجرون الأوائل وجود البجع الأسود بأستراليا.. فهذا الاكتشاف للطائر البحري غيَّر مفاهيم المكتشفين لما قد يحمله لنا العالم من مفاجآت لم نستعد لها.. ويقف وراء نظرية «البجعة السوداء» الحديثة المغترب اللبناني نسيم طالب.. وتشير تلك النظرية إلى صعوبة التنبؤ بالأحداث النادرة التي تتجاوز نطاق التوقعات العادية.
ونصف لقب البجعة السوداء على الحدث الذي يكون مفاجئاً، ويكون له تأثير ودوي في التاريخ.. وبسبب قدوم تلك الأحداث بشكل مفاجئ، فإن تفسير تلك الظاهرة يأتي بعد وقوع الحدث نفسه.. فعلى سبيل المثال وصلت البجعة السوداء في أحداث الأزمة المالية التي وقعت في 2008.. وحملت معها إفلاس عملاق المصرفية الاستثمارية ليمان بروذرز.. وتبع ذلك فوضى اقتصادية وسحابة غائمة من الانهيارات شملت الممارسات البنكية والعقارية. وتعتبر ردة الفعل للحدث الرئيس بمثابة الريش الأسود المتناثر من تلك البجعة القاتمة.
ما علاقة البجعة السوداء بنا؟
مع مكانة المملكة الحالية في سوق النفط العالمية والمضاربات الجارية على عملتنا الوطنية من قِبل المتداولين الأجانب، فإنه من الطبيعي أن نجد الأضواء مسلّطة علينا.. فعلى سبيل المثال خرج علينا بنك «أوف أمريكا» بورقة بحثية أشار فيها إلى أن أبرز حدث نفطي «يرتقي لمستوى البجعة السوداء» للسنة القادمة هو تخلي السعودية عن ربط عملاتها بالدولار، وذلك بعد مرور 30 سنة من التزامها بذلك.. فهم يزعمون أن هذا الحدث، الذي قد تحمله البجعة السوداء إلى شواطئنا، سيقود لهزة ضخمة بصناعة النفط العالمية.
ولا يخفى على الجميع أن بعض الدول المنتجة للنفط، وكذلك منتجي النفط الصخري يتمنون أن تقوم المملكة بتخفيض إنتاجها من الذهب الأسود، وذلك من أجل ارتفاع الأسعار.. ولكن تطبيق ذلك يعني أننا نجعل المنتجين الآخرين يستحوذون على العملاء الذين تخلينا عنهم بعد أن تم تقليص الإنتاج!.. وهذا سيزيد أرباح منافسينا ويجعل الأمر صعباً لنا أن نعاود الحصول على العملاء الذين خسرناهم.. وعليه فأفضل منهجية هي التي يتم تطبيقها حالياً وهي عدم تخفيض الإنتاج وجعل المنافسين الآخرين يعانون من ارتفاع تكلفة استخراج النفط التي لا تتناسب مع الأسعار الحالية.. وبذلك تتأثر أرباحهم بشكل سلبي. ومن هنا سيسهل علينا فهم مغزى الخاتمة التي وردت بالورقة البحثية التابعة للبنك الأمريكي الاستثماري.. فهم يزعمون أنه في حال وصول أسعار النفط إلى 30 دولاراً فهذا يعني أنه سيكون لدينا خياران.. إما خفض إنتاج النفط، أو فك الارتباط بالدولار.
* مراقب ومدقق شرعي معتمد من (AAOIFI) ومتخصص في هيكلة الصكوك وخبير مالية إسلامية لصالح مؤسسة دولية متعددة الأطراف