محمد سليمان العنقري
بدأ الترويج لفرص وظيفية تحت برنامج العمل عن بُعد والذي تبنته وزارة العمل، ويهدف إلى فتح المجال لفئات لا تستطيع الانتقال لموقع العمل بمنشآت القطاع الخاص، حيث تركزت البداية بالمعاقين والنساء، نظرياً يبدو البرنامج مثالياً ونموذجياً يُعالج مشكلة تخص تلك الفئات للحصول على فرص عمل تدر دخلاً ييسر تلبية احتياجاتهم ووضعت شروطاً حتى لا يستغل برفع نسب التوطين بحيث تكون نسبة من يعملون بهذا الأسلوب لها سقف معين، لكن هل فعلاً هو حل جيد من ضمن حلول معالجة البطالة؟
واقعياً تنظيم العمل عن بُعد مهم لحفظ الحقوق خصوصاً باشتراط تسجيلهم بالتأمينات الاجتماعية كضمان مستقبلي لهم، إلا أن الاستفادة الفعلية لا تبدو كذلك، فهذه الأعمال تكون بالغالب إضافية للعمل الأساس لتحسين الدخل لا أن تكون أساسية في الحياة العملية، فقبل اللجوء لمثل هذه الأنظمة والبرامج هل تم معالجة مشكلة تلك الفئات المستهدفة، ليكونوا في أعمال تنجز في مقرات المنشآت بالقطاع الخاص، فعلى سبيل المثال كثير من الدول عالجت مشكلة عمل المعاقين من خلال تدريبهم على حرف وصناعات ومهارات لا تستلزم الحركة الكثيفة داخل المنشأة، فمصانع الأثاث بدول أوروبية كإيطاليا تدرب المعاقين على أعمال معينة وتتولى نقلهم من وإلى منازلهم بحيث يكونون في مواقع العمل ويستفيدون مادياً ومعنوياً أكثر، كما تنمّي فيهم روح المشاركة وثقافة العمل وذات الأمر يمكن تطبيقه على النساء اللواتي لا يملكن وسائل نقل، ويمكن لهن أن يقدمن إنجازات بالعمل أفضل وبدخل مجزٍ.
كما أن تعطيل جامعيات أو مؤهلات عن المشاركة بالعمل ميدانياً أي بالمقرات يغيب بل ويدمر ثقافة العمل لديهن لأن تأدية الأعمال من المنزل تفقدهن التواصل مع المحيط الخارجي ومع زميلات لهن ليكتسبن مهارات العمل كاملة ويكون لديهن محفزات وطموح الترقيات وتولي مهام أوسع فهو تعطيل للطاقات، فهل يعقل لجامعية أو مؤهلة أن تكون جل ثقافتها بالعمل ببداية حياتها العملية من خلال المنزل؟! والذي قد تستمر فيه لسنوات تكون فيها بلا خبرة ناضجة وتصبح شهادتها الأكاديمية ضعيفة التأثير مع التقادم بالحصول على فرصة عمل أفضل.
أليس من الأولى أن تحل الإشكاليات التي تواجههن للحصول على عمل يستفاد فيه من تعليمها الذي كلف مبالغ طائلة حتى تتحقق الكفاءة من الإنفاق على التعليم، أم أن الهدف ظاهره توفير فرص عمل لأعمال لا يمكن أن تكون حساسة أو أساسية لأي منشأة لرفع نسب التوطين وخفض البطالة خصوصاً النسائية دون النظر بالعائد الاقتصادي؟
كما أنه من المهم معرفة المستفيد الأكبر من هذا البرنامج إذ من خلال المعطيات التي نقرأها بالبرنامج، فالمنشآت الخاصة ستوفر على نفسها الكثير كتجهيز المكاتب لهذه الفئات وبعض البدلات، وإذا شارك صندوق الموارد البشرية بجزء من رواتبهم فتصبح تكلفة هؤلاء الموظفين محدودة جداً على المنشآت مقابل الأعمال التي يؤدونها، وأيضاً بالمقابل فإن الدخل المتحصل للموظف بهذا البرنامج لن يكون مجزياً فيما لو قورن بمن يعمل بموقع المنشأة الميداني ويمكن له أن يحقق طموحاته بحياته المهنية.
لا خلاف على أهمية وجود أنظمة وبرامج تنظم العمل عن بُعد وتتيح فرص عمل من خلاله، لكن يفترض أن تنحصر الاستفادة منه لفئات لن تفكر بالحصول على فرصة أفضل نظراً لظروفها الخاصة جداً التي تمنعهم من الانتقال من منازلهم للعمل خارجياً، فمعالجة البطالة تتطلب وجود حلول عديدة، إلا أن أي حل لا بد أن يكون قد أخذ بعين الاعتبار الجدوى المستقبلية منه وانعكاساته الاقتصادية والإشرافية والرقابية، وأن لا يستغل لزيادة نسب التوطين لأجل تحسين لون النطاق للمنشآت والحصول على مزايا لا تستحقها المنشأة، ولنا بمراحل تطبيق برنامج نطاقات خير برهان على استغلاله الذي أفرز التوطين الوهمي، وهو ما تحاربه الآن وزارة العمل وتعالج آثاره السلبية على الاقتصاد والمجتمع.