تركية العمري ">
إنها حائل الحب، حائل العاشقان أجا وسلمى، وهي حائل التي مرت بها في منتصف القرن التاسع عشر أول رحالة أوروبية تزور الجزيرة العربية إنها ابنة كونتيسة لوفليس، هي الليدي آنا بلنت الكاتبة والرسامة وعاشقة الخيول وعازفة الكمان، وتلاها عدد من المكتشفين والرحالة، أما علاقتي بحائل، فبدأت من سنوات طفولتي في المدرسة وأنا وقريناتي ننصت إلى حكايات كرم حاتم الطائي، وبعد سنوات التقيت في فناء المدرسة مع أختي بنوير الهادئة القادمة من حائل، وذات يوم سمعت أخي الأكبر يردد أغنية طلال مداح (حائل بلد حيي)، وكنت أغنيها معه.
ولكن هناك علاقة خفية تمتد بيني وبين الشمال، شهقة حروفي الأولى، وكأن بسمة الشمال حائل تتبعني، لتكون أول أمسية قصصية لي في نادي الأدبي بمنطقة الجوف اقتسمها مع القاصة والروائية حنان مسلم (الجوفية - الحائلية) وبتنسيق وتشجيع من أحد كتاب حائل. وعندما وطأت أحلامي المنطقة الشرقية تذوقت سكر تمر حلوة حائل عبر حنان مسلم أيضاً.
وقبل يومين كانت محاضرتي التربية الجمالية الفكرة التي أطلقتها في فبراير 2014 في المؤسسات التعليمية والاجتماعية بالمنطقة الشرقية، وهذه هي المرة الأولى التي احلق بالتربية الجمالية خارج منطقتي، لتكون أول محاضرة ثقافية في جامعة في المملكة، وأمام أكثر من ثلاثمائة زهرة يانعة، أنهن مستقبل غدنا، فبرؤاهن التي تواكب العصر الذي نحيا فيه، عصر العلم والمعرفة والثقافة ستزهر حائل. وهن وحدهن من سيقفن بعلمهن وفكرهن التنويري أمام العقول التقليدية الآسنة التي تعيق تقدم الوطن، تدفقت في أوردتي رعشات بهجة، وأنا أراهن أمامي بعيون تحمل بريق الأماني.
في تلك الصباحات المسيجة بأريج نعناع حائل، ونسائم برد شفيف غنيت لحائل وغنين معي، وحلقن معي عالياً إلى فضاءات فلسفة وعلم الجمالية، وينابيعها العذبة التي تنمي الفضائل الأخلاقية التي تؤصل الحب والمحبة والتسامح والسامي، كن ينثرن استفساراتهن عن الجمالية تارة وعن مؤلفاتي تارة أخرى، وبعد ان انتهت المحاضرة، التي حاولت أن اجعلها اصبوحة ثقافية جمالية، تحلقن حولي كيمام من غيم ورحبن بي، وهن ينثرن أمامي مواهبهن المتنوعة والتي رأيتها جواهر متلألئة.
في المساء وأنأ أمر بطرقات حائل، تجلت لي أنوار شوارعها أقماراً لامعة، نعم إنها حائل الماضي والذي عبرت به عبر متحف (لقيت للماضي أثر)، وهي حائل والتي افتخر كمواطنة بتسجيل رسومات صخورها في قائمة التراث العالمي اليونسكو.
وهي حائل التي سمعت حكايات سوقها التاريخي سوق برزان بين تلقائية مفردات نورة. إنها حائل أم محمد الدافئة التي غمرتني بترحيبها لي في السوق الشعبي. وهي حائل أصدقائي التنويرين الذين يغرسون بين خصلات شعرها تويجات ورد، وهي حائل تغريد ودلال والهنوف ومي وندى اللواتي يرتدين البياض.
وأنا أغادر حائل، نزل أجا ملتحفا عباءة الفجر، وباغت وجنتي بقبلة دافئة، وفي اللحظة ذاتها حضنتني بحب أصوات دفوف سأمرية «حائل عساها المطر».
تداعت لي شقاوة ضحكات آيات وصديقاتها، وسمعت صوت القصيبي الواثق ينساب بين نخيل حائل:
يا حائل المجد كم مجد شمخت به
تندى الشواهق من تذكاره أرجا
***
شطر بيت من قصيدة عن حائل لمعالي الأديب د. غازي القصيبي
- الدمام