فهد بن أحمد الصالح ">
تتعدّد مؤسسات أو قنوات النفع العام التي من خلالها يمكن التطوع وخدمة المجتمع رغبة في الأجر من الكريم المنان، وهي حالة من المثالية أصبحت مشاهدة في المجتمع بعدد من الصور، وهذا فضل الله يؤتيه الله من يشاء من خلقه لأنّ النفس تحتاج جهاداً واحتساباً، وعليها أن تنكر ذاتها ويؤثر على نفسها حتى وإن كان بها خصاصة، كي تكون بصمتها في هذا الهم موجودة ومقدرة، وقد يواجه الإنسان بالكثير من المماحكات والمضايقات وربما الاختلاف مع الآخرين، من أجل الوصول إلى أكبر الفوائد، ولذا فإنّ الإصرار على بلوغ الهدف مهمٌ حتى تتحقق قيمة العمل التطوعي وتتعدّد منافعه، كذلك فإنّ الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه قد قال إن خير الناس أنفعهم للناس، وهذا لا يتأتى إلا بنكران الذات، لأنه لا يجتمع في قلب المرء محبة ذاته ومحبة غيره، وكذلك هو النفع الذي نقدمه متطوعين للآخرين ونعمل داخل المجتمع أن يكون ثقافة له، لأنّ الله سبحانه وتعالى جعل بعضنا لبعض سخرياً في تأكيد أن خدمة الآخر تأتي من الواجب له.
هذا المدخل يقودنا إلى حال المجالس البلدية التي ستنطلق نسختها الثالثة بتسمية الأعضاء، بعد أن تمت مرحلة التسجيل للناخبين، وهي حالة يجب أن تكون مثالية لتحقيق النفع العام في إحدى مؤسساته أو قنواته، ولا يجب أن تتغلب فيه الإقليمية أو القبلية أو المذهبية أو حتى الشخصية، بالإضافة إلى أن النسخة الثالثة تجددت بدخول شقائق الرجال وكذلك الشباب، وهذا أدعى أن يكون الإيثار مهماً جداً في نجاح تلك النسخة وجعلها تفوق في نتائجها النسخ السابقة، وهي أيضاً مدعاة للبروز الشخصي في حال نكران الذات، وتحقيق مثالية التعامل مع الأعضاء أو مع الأمانات والبلديات، وكذلك مع تطلعات المواطنين الذين يحمّلون تلك المجالس آمالاً عراضاًَ لتحقيق تطلعاتهم من الخدمات البلدية والبرامج البيئية والمجتمعية وغيرها.
والنسخة الثالثة من الانتخابات تأتي بعد ثماني سنوات من انطلاقتها التي صاحبها في الدورة الأولى آمال وتطلعات لم تكن مبنية على أرضية صلبة من قِبل المرشحين، ولكنها كان طموحات دون إطار تنظيمي وهي تجربة أولى قُدمت لنا ولم نكن مستعدين لها، وكذلك لم يُصاحبها جهد تثقيفي شامل وضوابطها كانت اجتهادية وربما أنه لم يتم الاستفادة من تجارب الدول الأخرى العربية والدولية، وقدم المرشحون أنفسهم بزخم إعلامي وإعلاني وصل إلى درجة البذج من أجل الفوز بعضوية النسخة الأولى، وفاقت أهميتها عند بعض المرشحين أهمية عضوية مجالس أكثر أهمية وأرقى قيمة اجتماعية، وربما أن الأمانات والبلديات لم تكن متهيئة لهذه الثقافة الجديدة، فكانت النتائج أقل من التطلعات بالرغم من البرامج الانتخابية الحالمة التي قدمها المرشحون، والتجربة الأولى وإن لم تحقق النجاح المأمول فيكفي منها أنها وضعت الأساس للانطلاقة القادمة، ومكنت المختصين في شؤون البلديات من تلافي العيوب في النسخة الثانية التي كانت نتائجها أفضل بكثير، وإن كان التفاعل معها في التسجيل والترشيح والانتخاب أقل من الأولى، وساهم في تلك النتائج درجة التفاعل العالية من الأمانات والبلديات، إضافة إلى أن دعم أصحاب السمو أمراء المناطق والمحافظين كان عنصراً مؤثراً في ذلك.
واليوم تأتي النسخة الثالثة بمزيد من الصلاحيات ومساحة أكبر في التأثير في صنع القرار، ومعها تنوع في الثقافات والخبرات والأعمار والأجناس، وبيد أعضاء المجالس أن يحققوا بصمة إيجابية تسجل لهم في استكمال تطوير مدنهم ومحافظاتهم ومراكزهم، وهو الأمر الذي يفرق فيه صاحب الهمة ممن لا يملكها، وكذلك سيبرز من همه الوطن والمواطن ممن همه في تحقيق مصلحة شخصية أو قيمة اجتماعية أو حضور أحادي، فالأولويات هي التي تحكم صوت عضو المجلس، والمنفعة الأكبر هي التي لا يجب الاختلاف عليها، وإقصاء الرأي الآخر هو ما يجب أن ننفيه من ثقافتنا، والاحتفاظ بما أنجز من أعمال في الأمانات والبلديات وتقديرها والإشادة بها هو ما يجب الاتفاق عليه، والطاعة في المستطاع هي الأولى بالتركيز لأن طلب غير المستطاع لن يطاع وسيعيق المجلس في تحقيق رسالته وأهدافه، واحترام الطرح النسائي والشبابي ضرورة يحتمها العصر ولا ينبغي أن تعارض، فالقادم من الوقت هو لشباب اليوم نساء ورجال.
ختاماً،, تطيب الإنجازات باستمرار إذا تحقق فيها الإيثار وأقصيت منها الذات بقناعة وقدم فيها الآخر بقناعة أيضاً، ولهذا فإن محور العمل المدني في مؤسسات النفع العام يرتكز على هذا الأمر وتجد المهتمين به سعداء لأنهم قدموا غيرهم على أنفسهم، خاصة وأن القادم لهذا الميدان الشريف لا يأتيه إلا وقد حقق خصوصياته وأصبح لديه تجارب وخبرات يتطلع أن ينفع بها غيره، بل إنه يعدّها زكاة لعمره واجبة عليه، مثلما للمال زكاة واجبة على صاحبه .. ونسأل الله التوفيق لهم.