د. أحمد الفراج
من مصائب الدهر أن تختلط الأوراق، ويصبح المستحيل ممكناً، وهذا ما حصل، عندما استطاع شخص مشوش التفكير أن يتلاعب بمشاعر واحد من أعظم الشعوب، أي الشعب الألماني، وهو الشعب الذي سار بإرادته خلف أدولف هتلر، فقد تغلبت أفكار هذا المضطرب على العقل والمنطق والفكر المتقدم للشعب الألماني، وكان من نتيجة ذلك دمار البشرية، واستخدام السلاح النووي، وسقوط ألمانيا جريحة، ومدمرة، ولم ينقذها إلا مشروع مارشال، واستغرقت زمناً طويلاً حتى وقفت على قدميها، فالأفكار الشيطانية المؤدلجة تستحوذ أحياناً على أكبر العقول، ولكم عبرة في الانتحاريين، الذين يذهبون إلى الموت طوعاً، وكأنهم ذاهبون إلى حفلة ممتعة، مع أن منهم متعلمين، وأثرياء، ومثلما أن الشعب الألماني انجرف وراء هتلر، والإيطالي وراء موسيليني، فليس من المستبعد أن يتفاجأ العالم بشيء من هذا القبيل في الولايات المتحدة، وإن كنا نتمنى أن الشعوب وصلت إلى درجة من الوعي قد تمنع ذلك.
هذه الأيام، يتربع المرشح الجمهوري الثري، والعنصري الوقح، دونالد ترمب، على قائمة المرشحين الجمهوريين لرئاسة أمريكا، وعنصرية ترمب ليست مفاجأة، فهو من تولى، قبل سنوات، كبر التشكيك بجنسية الرئيس أوباما، وإمكانية أن يكون مسلماً!!، وعندما أعلن عن ترشحه للرئاسة، لم يحمله أحد على محمل الجد. هذا، ولكن واقعاً جديداً في أمريكا جعله يتصدر المرشحين الجمهوريين، متقدماً على أحصنة سياسية كبيرة، بفارق نقطي كبير، مثل جيب بوش، وكريس كريستي، وتيد كروز، ومع أن ترمب أعلن عن بعض برامجه، ومنها التشديد على الهجرة، وهجومه الشنيع على المهاجرين اللاتينيين، تحديداً، إلا أنه تجاوز الحدود، بعد حادثة باريس، وأعلن أنه يدعم برنامجاً حكومياً لتسجيل الأمريكيين المسلمين، أي رصد تحركاتهم بدقة، وهذا أمر يتنافى مع الدستور الأمريكي، لأنه تفرقة على أساس المعتقد، واعتقد المتابعون للحراك السياسي الأمريكي أن هذا سيكون كافياً، ليعرف الشعب الأمريكي أن المرشح الجمهوري، ترمب، ليس مؤهلاً لقيادة معقل الديمقراطية والعدالة والحريات وحقوق الإنسان، ولكن هذا لم يحدث، فهو يتصدر المرشحين حالياً!.
القنبلة الكبرى، والمتوقعة من ترمب، جاءت بعد حادثة كاليفورنيا الإرهابية، إذ اقترح ترمب منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة!!، ومع أن المقترح غير عقلاني، وهاجمته معظم النخب السياسية الأمريكية، بمن فيهم أبرز المرشحين الجمهوريين، إلا أن ترمب ليس غبياً ليفرط في صدارته للمرشحين للرئاسة بمثل هذا التصريح المستفز والعدائي، لو لم يكن يعلم، عن طريق مستشاريه الكبار، أن قاعدته الجماهيرية ترحب بمثل هذا القرار، وهذا أمر خطير للغاية، أن يتصدر المرشحين لرئاسة أعتى قوة عالمية من يؤمن بهذه الأفكار العنصرية والعدائية، ضد الآخر المختلف، وهنا أقول للغلاة من المسلمين، وبكل شفافية، بأن تصريحات دونالد ترمب العدائية ضد المسلمين، والتي أغضبتنا جميعاً، تشبه تصريحاتكم، أيها الغلاة، ضد غير المسلمين، والخلاصة، هي أن تقدم المرشح ترمب، وشعبيته الجارفة حالياً أمر مرعب، ولكن يظل الأمل كبيراً في الشعب الأمريكي.. فالشعب الذي جرب جنة الديمقراطية لأكثر من قرنين، لا نظنه سيجازف بانتخاب رئيس للإمبراطورية الأمريكية من شاكلة هتلر وموسيليني!.