د. نوف بنت محمد بن حمد الزير ">
تتعدد الحاجات التي بها تقوم حياة الإنسان ويستطيع بوجودها أن يعيش براحة وسلامة وإنتاج.
إن من نافلة القول: أن نتحدث عن حاجة الإنسان للطعام والشراب أو حاجته للهواء النقي أو حاجته للأمن! أو حاجته للدين؛ لأن هذه الحاجات ركائز رئيسة للبشرية يعي الجميع تعذّر استمرار الحياة بفقدها!
إلا أن ثمة حاجة هامة جداً نحتاج أن نستحضر أهميتها ونطبقها ونشبعها ونحيط بها أنفسنا ونغدقها على من حولنا: إنها الحاجة للتقدير!
والتقدير معناه باختصار شديد: الصورة الإيجابية التي يحملها الإنسان عن نفسه أو عن أي شيء حوله.
إن تقدير الإنسان ذاته يساعده على أن يجعلها في المكان اللائق بها إنسانياً، دينياً، ثقافياً، اجتماعياً، سلوكياً وفكرياً:
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه
ففي صالح الأعمال نفسك فاجعلِ!
كما أن تقدير الإنسان والديه يجعله يبرهما، يحترمهما ويتقرب إلى الله بالإحسان إليهما.
وتقدير الإنسان ذريته يدفعه لحبهم، رعايتهم، الحرص على بذل الجهد في تربيتهم والوصول بهم إلى القمة.
وتقدير الإنسان لعمله يحفزه لإتقانه، المحافظة عليه وأداء الأمانة على أكمل وجه وأتمه!
وتقدير الإنسان لوطنه يدعمه ليحسن تمثيله ويكون له خير سفير، يسعى لتطوره وحضارته و يُسهم في بنائه وتقدمه ورقيه!
بل إن تقدير الإنسان يمتد حتى للحيوان برحمته وإطعامه ورعايته وتوفير البيئة الملائمة له والابتعاد عما يؤذيه.
ليس هذا فحسب بل إن الصورة الرائعة للتقدير يمكن أن تصل للبيئة بصيانتها والمحافظة عليها ودعم تطويرها ونقائها وجودة إنتاجها.
إن التقدير سمة عظيمة مرتبطة بالعنصر البشري {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} بغض النظر عن جنسه ولونه وثقافته!
فإذا ما أضفنا إليها: احتراماً ذاتياً، منهجاً دينياً، رقياً حضارياً، انتماءً وطنياً، إبداعاً فكرياً، حساً مجتمعياً وتقدماً علمياً؛كان له نكهة خاصة تضفي على الأفراد والمجتمعات تميّزاً وألَقاً.
إن تقدير الشعوب ذواتها وكياناتها وثقافاتها يدفعها لمزيد من الانتماء واللحمة والتكافل و النماء، ويؤسس لها فكراً سليماً، منهجاً قويماً، فعلاً حكيماً وحباً وولاء يرفع مكانتها أمام العالم ويجعلها موضع احترام الجميع؛ فلا يجرؤ أحد على النَيل منها أو المساس بكرامتها وثقافتها، مكانتها ورموزها.
يجعله يسعى ليحقق طموحاته وآماله، ولا يجد وقتاً إلا ليضيف مزيداً إلى ما هو فيه من التقدم.
ويسلم من المشكلات النفسية والاجتماعية التي تدفعه لينظر لذاته نظرة دونية تجعله يتوهم إثباتها بما لا يليق به من انحراف فكري وتجاوز سلوكي للدين و القيم، والتعبير عن ذلك بأشكال متباينة كالتدخين، التفحيط، العقوق، السرقة والعدوانية وربما تطور الأمر إلى الجرائم الكبرى كالقتل والتفجير تحت مسميات وهمية ومسوغات كيدية وتبريرات شيطانية.
إننا بإشباع الحاجة إلى التقدير نكون قد ملأنا كل المساحات الفارغة في النفوس مما يحول دونها ودون الانحراف الفكري الذي يودي بصاحبه إلى الهلكة.
أرأيت لو أنك ملأت كوباً فارغاً بماء عذب، أكنت تدع فيه مجالاً ليلغ فيه ما يلوثه؟!
بالطبع لا!
فما بالك بنفس امتلأت حباً واعتزازاً وإنتاجاً وقيمة بما تحمله من دين وخلق ووطنية وحظيت بتقدير من حولها لكل ذلك!
إن الكائدين لن يجدوا إلا أبواباً موصدة لن يتمكنوا من تجاوزها لقوتها وصمودها.
مهما بذلوا في ذلك وسعوا؛ لأنهم يتعاملون مع نفوس ممتلئة قوة إيجابية وخيراً لا يقبل أي شيء مما سواه.
إن من التقدير أن نرصد إيجابياتنا أفراداً ومجتمعات و نطرز بها واقعنا ونُعطِّر بها وسائل إعلامنا ونطورها في مدارسنا ونرسمها في شوارعنا ونعلن للعالم كله بأقوالنا وأفعالنا ومواقفنا أن لدينا ما هو جدير بالاعتزاز ويمكننا أن نحقق به الريادة والتقدم .
كم هو جميل أن يُقدِّر الإنسان ذاته، ويُقدِّر المسلمون بعضهم بعضاً، والمواطنون وطنهم و مواطنيه، وتُقدِّر الأسرة أفرادها ويقدِّرونها.
وكم هو أجمل أن نشيع ثقافة التقدير في بيوتنا، مدارسنا ، مؤسساتنا، شوارعنا وسائر ميادين حياتنا لنحقق صعوداً على كافة المستويات لا يقبل بغير القمة سكناً.
فإذا ما شعرتَ أنك شبعت وأشبعت تقديراً فلك مني التحية وأزكى السلام.