محمد آل الشيخ
في تقديري سيبقى مساء يوم 14-12-2015 يوماً تاريخياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالمبادرة التي أطلقها سمو الأمير محمد بن سلمان كانت بمثابة البداية الحقيقية والجادة لمواجهة هذا الفيروس الذي عاث فسادا بالإنسانية جمعاء حتى كاد أن يكون مرضا مستعصيا، لا علاج له. أهمية هذه المبادرة التي كونت هذا الحلف أنها تشكلت من الدول الإسلامية، فبرأت الإسلام كدين وهوية من هذا الوباء السرطاني المتأسلم، وهنا بيت القصيد. ومنطلق أهميتها أنها شاملة، بمعنى أنها عسكرية وسياسية وإعلامية والأهم أن من ضمن مهامها تتبع محاضن هذا الفكر في كل بقاع الأرض والعمل جماعيا على اجتثاثه. أعرف أن عملا بهذا الطموح صعب، وتدخل فيه مصالح سياسية وتعقيدات وتشابكات، ولعل أهمها أن العالم لم يتفق بعد على تعريف جامع مانع للإرهاب، فضلا عن أن هناك من يوظفه لخدمة مصالحه وأجنداته السياسية، غير أن هناك بعض التنظيمات الإرهابية، كتنظيم داعش مثلا، لا يختلف اثنان على أنها حركة تمثل الإرهاب، وتمارس ثقافة الكراهية والبغضاء، ولا تتورع عن القتل والتدمير بوحشية ولا تفرق بين مسلم وغير مسلم فالقتل وإبادة البشر منهج من مناهجها. لذلك فليبدأ هذا الحلف بها، ومحاربتها.
هناك من انتقد التحالف بأنه استبعد إيران والعراق وسوريا، وهذا عين العقل الذي لا يمكن أن نقتنع أن هناك جدية حقيقية للحرب على الإرهاب لو ضمت قائمة الحلف إيران؛ فهذه الدولة منذ أن تربع حاخامهم الأكبر الخميني على عرش إيران وهي معروفة بدعمها للمنظمات التي تأتمر بأمرها وتنفذ اجنداتها، بمعنى انها الوجه الشيعي للإرهاب، فحزب الله اللبناني مثلا حركة محض إرهابية، وله تاريخ عريق في الإرهاب، سواء في عقر داره لبنان، أو في دول الخليج، فيكفي أنه المتهم الأول باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق بسيارة مفخخة، أي بالطريقة ذاتها التي يقتل بها الإرهابيون ألسنة خصومهم، وتمويل هذا الحزب يأتي من إيران، فكيف يمكن تجاوز هذه الحقائق، ودعوة إيران إلى مثل هذا التحالف الإسلامي كأن تدعوا الدواعش أو جبهة النصرة للأنضمام إلى الحلف. كذلك الأمر ينطبق أيضا على (الحشد الشعبي العراقي) الذي حرض المناطق السنية في العراق لتكون حواضن للدواعش بسبب موقفه الطائفي المعروف من أهل السنة في العراق، فممارسات هذا الحزب هي أحد أسباب تجذر الفكر الداعشي في المناطق السنية هناك، أضف إلى ذلك (عصائب أهل الحق) التي تقف وراءها عمائم الملالي الإيرانيين ويجاهرون بذلك، فكيف بالله عليكم والحال كهذه يمكن أن تكون إيران جزءا من الحل وهي أصل المشكلة ومن أوقد جذوتها؟
ولعل الجديد في مبادرة الأمير الشاب أنها ستكون رهن عينيه في الرياض، حيث سيكون هناك (غرفة عمليات) تقوم بدور التخطيط والرصد والتقصي والمتابعة، في جميع المجالات ذات الصلة بهذا الأخطبوط المنتشر في القارات كلها، الأمر الذي من شأنه أن يجعل هذا الغول تحت أنوار كاشفة، ومن شأن هذه الثقافة أن تتعرى أمام العالم أجمع.
وهنا لابد من القول أنني على ثقة لا يخالجها شك أن اجتثاث الإرهاب لن يكون ممكنا إلا باجتثاث (التأسلم السياسي) من جذوره، فخروج هذا العفريت من القمقم كان في السبعينات من القرن الميلادي الماضي، حينما أراد الرئيس المصري الأسبق ضرب التيار الناصري بالتيار الإخواني المتأسلم، فنجح في مسعاه، وأقصى التيار الناصري، لكن هذا الأفعى عاد وقتله في حادثة المنصة المشهورة، وليس لدي أدنى شك أننا ومعنا العالم كله، لن يتخلص من هذا الوحش إلا بالقضاء على التأسلم السياسي كأيديولوجا وإعادة الإسلام كدين. دون ذلك سنظل نراوح في مكاننا لا نبرحه قيد أنملة.
إلى اللقاء