محمد سليمان العنقري
حديث المجتمع هذه الأيام ينصب حول برنامج التحول الوطني بالاقتصاد المحلي والذي يتزامن مع تحديات كبرى تتمثل بتراجع أسعار النفط، والتي تعني تراجعاً بإيرادات الخزينة العامة مما سيضع استمرار اعتماد الاقتصاد بنموه على الإنفاق الحكومي أمام حقيقة أنه لا يمكن البقاء على الأساليب السابقة نفسها في خطط التنمية المستدامة التي تعتمد على دور القطاعات الحكومية وإنفاقها لتحقيق أهدافها مع تأثير تبلغ نسبته 90 %
بإيرادات الحكومة من النفط، ومع تقلب أسعاره على المدى المتوسط والبعيد فلا يمكن أن يبقى هو المؤثر باتجاهات الاقتصاد المحلي الذي تزداد احتياجاته سنوياً لتوليد فرص عمل وتوسع بالطاقة الاستيعابية لتقليل الاستيراد وزيادة الصادرات غير النفطية.
فالتحول هو انصراف وابتعاد عن شيء قائم، وفي البرنامج سيتغير الدور الحكومي من مولد للإيردات إلى تسهيل الإجراءات للقطاع الخاص حتى تتاح له فرص واسعة للاستثمار، وستركز الحكومة على تدريب وتأهيل الكوادر البشرية لتتناسب مع احتياجات سوق العمل ولتكون ركيزة بالنمو المستدام من خلال تقليص الاعتماد على العمالة الوافدة إضافة إلى التحول بالإجراءات الحكومية لتكون إلكترونية وشفافة بنطاق كبير جداً يقلص من المعاملات ويقلل الهدر ويحاصر الفساد ويضبط الأداء العام.
أما القطاع الخاص فلابد أن يتحول دوره ليكون شريكاً حقيقاً بالتنمية يعتمد على قدراته وأدائه واستثماراته، بدلاً من انتظار الإنفاق الحكومي كي يجد فرصاً للاستثمار، بينما يتراجع أداؤه بمجرد تقليص الإنفاق الحكومي وفي الوقت ذاته فإن الفرصة كبيرة أمامه لكي يتوسع بالإنتاج وتقديم الخدمات بدلاً من الاستيراد لها والذي بلغت فاتورته العام الماضي 651 مليار ريال، فهذا الرقم يوضح حجم الفرص الكبيرة التي يمكن أن يلعب دوراً كبيراً بتوفيرها محلياً بخلاف ما سيتاح له من فرص في القطاعات المستهدفة بالبرنامج بقطاعات صناعية وخدمية، فالقطاع الخاص بات مطالباً بأن يتحول إلى قطاع يعتمد ذاتياً على تطوير أدائه واستثمار الفرص، وأن لا ينتظر بقاء الدعم والتحفيز كي يحقق أرباحاً إضافية منها، فالمستقبل يعني اعتماد القطاع الخاص على التقنية والوسائل التشغيلية الحديثة بدلاً من الزيادة بالعمالة الرخيصة.
أما الفرد فسيكون بكل تأكيد هو ركيزة نجاح برنامج التحول، لأنه مطالب بالاستفادة من فرص التدريب والتعليم التي ستوفر له كي يكون منافساً على الفرص الوظيفية والاستثمارية التي ستتاح مستقبلاً، وهذا يعني أن تعزيز ثقافة العمل باتت هي جوهر انطلاقته نحو المستقبل، ولابد من التركيز على دور قطاع التعليم بمساعدة الشباب والشابات على تنمية مواهبهم لتحديد خياراتهم بالتعليم والتدريب حتى يتمكنوا من النجاح بأعمالهم.
ولعل ما تطرقت له يعد ملامح عامة على فكرة التحول الوطني بالاقتصاد، إلا أن سؤال المقال حول الحاجة للتحول يبقى جوابه مهماً لأسباب عدة، منها هل كان الاقتصاد يسير بخطوات متذبذبة بما لا يسمح بالارتقاء به إلى تنافسية حقيقية وأفق واسع بالنمو يضمن فرص عمل كافية وتنمية مستدامة وعدالة في توزيع الفرص ومنعاً للاحتكار واستمراراً للريعية المكلفة جداً وعدم تحقيق ديمومة للرفاهية بالمجتمع؟ وقد يكون الجواب بديهياً بأنه لا يمكن، لأن النمو السكاني كبير وهم كثروة أولى يجب استثمارها والاحتياجات تتزايد مما يعني استحالة بقاء طرق التخطيط السابقة والتأثير الضخم من النفط بالتنمية فيها كأساس لإدارة عجلة الاقتصاد، وهو ما أدَّى لتشوهات وتعطيل لتنمية الإيرادات بالخزينة العامة ولضعف بالقطاع الخاص الذي اعتمد على الإنفاق الحكومي وكذلك الدعم والتحفيز مما أضعف تنافسيته.
وليس الفرد ببعيد عن تلك الآثار السلبية، وهو ما يظهر جلياً بتنافسيته المحدودة بسوق العمل منذ عقود مما أدَّى إلى أن تكون الحكومة أكبر موظف ومولد مباشر لفرص العمل، وهذا أدَّى لارتفاع فاتورة الرواتب والبدلات بالميزانيات العامة دائماً وباعتبار النفط المتقلب بأسعاره مورداً رئيساً فإن إمكانية تحسين دخل الموظف الحكومي تصبح صعبة قياساً بارتفاع تكاليف المعيشة والالتزامات والتغيرات العالمية سواء بقوة العملات التي تنخفض مع الزمن أو تكاليف إنتاج السلع والخدمات التي تتغير نحو الارتفاع دائماً عند قياسها على فترات زمنية طويلة.
فالتحول كبرنامج بات ضرورة وليس خياراً يمكن تأجيله أو الاستعاضة عنه ببدائل أخرى كاستمرار الوضع على ما هو قائم حالياً، ولكن كيف يمكن للبرنامج أن يحقق أهدافه، فالجميع متفق على أن التنفيذ هو المحك الحقيقي لنجاحه إضافة لواقعية أهداف البرنامج، وهل هو طموح بالقدر الكافي أو أكثر من اللازم لضمان سهولة تطبيقه، وقد يكون من السهل التحول بدور الجهات الحكومية المعنية وأيضاً جذب جزء جيد من الاستثمارات المستهدفة حتى لو بنسبة 50 %، إلا أن دور الفرد سيبقى الأهم فبقدر اتجاهه نحو التعليم والتأهيل يبقى لتأصيل ثقافة العمل ولدوره بتعزيز الاقتصاد ونموه التحدي الأكبر، إذ يتطلب ذلك نمطاً مختلفاً سواء بدور الجهاز التعليمي الذي يجب أن يغير من منهجيته بنشر ثقافة العمل وكذلك اكتشاف الفرد لمهاراته وموهبته، وأيضاً مساعدته في رفع ثقته بنفسه عند اختيار مسار حياته التعليمية التخصصية والنشاط الذي يرغب العمل به، وكذلك دور الإعلام بمختلف وسائله وأدواته للمساهمة بتوجيهه نحو ما يمكن أن يحقق له النجاح والاختيار السليم لمستقبله، إضافة لرفع مساهمته ودوره بكل مرحلة تعليمية يمر بها حتى تتعزز ثقافة الحوار لديه، وكذلك إيصال صوته بما يضمن معرفة ما يواجهه من عقبات أو احتياجات، لأن ذلك جزء أصيل من تطوير الأداء للجهات التعليمية والتأهيلية حتى تساعد بتنمية قدرات الفرد من مراحل مبكرة.
برنامج التحول الوطني مشروع جبار وضخم والجميع شركاء به، ولا يمكن أن ينجح إلا بجهود متوازنة ومخلصة من كل الأطراف، ولن تكون التحديات بسيطة، فثقافة المجتمع ارتكزت لعقود على دور حكومي واسع بإدارة الاقتصاد والخدمات، والانتقال لاقتصاد السوق الحر ليس بالأمر البسيط، ولابد أن تأخذ بعض أهدافه حقها الزمني الذي لا يمكن اختزاله خصوصاً بما اعتاد عليه الفرد واعتبره من المسلمات بتوجهات حياته المهنية والمعيشية، فهي عوامل ثقافية ستحتاج إلى أجيال حتى تتغير، وبالتأكيد لابد أن يكون البرنامج قد راعى العامل الاجتماعي، فكما توضع خطط لأهداف اقتصادية تحقق أرقاماً لابد أن يكون معها خطط اجتماعية موازية تعزز الجانب الفكري والثقافي الذي يتماشى مع الهدف الاقتصادي والتنموي.