إبراهيم عبدالله العمار
كَثُرَت الهموم والغموم في هذا العصر. الضغوط والآلام النفسية هي من طواعين زمننا هذا، بعد أن أزلنا وباء الطاعون الجسدي الذي أباد الملايين في العصور القديمة، وبينما بعض الضغوط تستحق وزنها الثقيل، إلا أن الأغلبية منها والتي تُشغل المرء بِالهمّ والغم لا تستحق كل هذا التفكير، خاصة لو تأملنا ما لدينا من نِعم عظيمة. هذه حلقة من سلسلة نقارن فيها حياتنا اليوم بحياة الأسبقين، فنحن نعيش في عصرٍ فريد لم يمر على التاريخ مثله ولن يمر، لنعرف نعمة الله علينا ونتأمل أشياء متوفرة اليوم كان الأولون يحلمون بها، ومقالة اليوم عن الضوء.
الضوء من أساسيات الحياة، واليوم صار شيئاً منتشراً لا نلقي له بالاً، لكن في الماضي كان الناس يتعبون من أجله، فقبل اختراع النار لم يكن للناس مصدر قوي للضوء غير الشمس، فإذا غابت لم يكن إلا الظلام، وبعد اكتشاف النار صار البشر يقدرون أن يوجدوا الضوء وقت الليل، لكن ليس بسهولة، ولنقارن بين سهولة الحصول على الضوء اليوم والماضي: اليوم، إذا كان مستوى معيشتك عادياً، فأنت تحتاج أقل من نصف ثانية من العمل لتحصل على ساعة من الضوء، أي أن نصف ثانية من عملك اليومي في وظيفتك توفر لك المال الكافي لتسديد فاتورة كهرباء تمنحك ساعة ضوء. لكن كيف في الماضي؟ لو عشتَ في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي واحتجت لمصباح الكيروسين للضوء فكان عليك أن تعمل 15 دقيقة لتحصل على ساعة ضوء، أما لو عشتَ في أوائل نفس القرن، فكنت ستحصل على ضوئك بالشموع المصنوعة من الدهون الحيوانية، ولتحصل على ساعة ضوء منها احتجتَ أن تعمل 6 ساعات، أما إذا عدت في التاريخ إلى بابل في سنة 1750 قبل الميلاد حيث المصابيح المتغذية بزيت السمسم، فإن الإنسان آنذاك كان يحتاج أن يعمل 50 ساعة ليحصل على ساعة ضوء واحدة! منذ ذلك الوقت إلى اليوم زاد توفير الوقت حتى وصل إلى 350 ألف ضعف في التوفير، ناهيك عن توفير الوقت من ناحية أمور أخرى، مثل أن الكهرباء نادراً ما تسبب الحريق مثل مصابيح الزيت التي يمكن أن تقع بسهولة وتحرق البيت أو المزرعة فتسبب الخسائر المالية العظيمة، وكذلك الأضرار الصحية من استنشاق الوقود المحترق والتي تستهلك المال في العلاج.
الضوء صار أشبه بالأكسجين في انتشاره الآن، نستخدمه بدون اكتراث بسبب وفرته، لكن في الماضي كان من الموارد التي ينتبه لها الناس دائماً ويحسبون لها حسابها ويعملون من أجلها، فلله الحمد على تيسيره لنا اليوم.