نورة مروعي ">
محاربة العنف بأشكاله رسالة سامية يحملها العالم والمثقف والإعلامي والمواطن والمسؤول.. هي مواجهة صعبة وصعوبتها مؤشر على أن خطورتها تغلغلت في مجتمع يعيش حالة صراع ويفتقد السلام حتى مع ذاته ما هو العنف.
إن قضية الرفض المقيتة للمحيطين بنا كأشخاص أولأنهم يحملون عقائد وأفكارمخالفة لنا أصبحت كارثة بل أزمة تعايش خطيرة عززتها قنوات فضائية محرضة تنقل العنف وتصوره لنا على انه دفاع مشروع عن حق إنساني وديني بتصنيفات مؤدلجة دخيلة رافضة للتعايش السلمي ضمن مفهوم دولة... فهل كانت يوما المطالبات بالحقوق تستلزم هدر الدماء وتشويه كل معارض لنا.
الاختلافات العقدية وجدت مع وجود الإنسان نفسه ولا يمكن أن ننكر ذلك على الصعيد الإنساني والتاريخي والجغرافي والسياسي ولم يمجد التاريخ يوما مجرمي الحرب. حتى وإن احتفظ بتاريخهم وجرائمهم ولكنه حفظها لتكون عبرة للقادم من الأيام.
كل ما سبق لا يعدوكونه سردا مبسطا لخطورة العنف بأشكاله وأثرها على المجتمع ولكن من يبرر ما تقوم به بعض القنوات الدينية من عرض لصور ومقاطع تشمئز منها النفس السوية في لحظة من لحظات الملل أمسكت بجهاز التحكم لأبحث عن برنامج مفيد أتابعه وبالصدفة وقعت على إحدى هذه القنوات التي لم تتوقف عن عرض مشاهد تدمي القلب بطريقة جعلتني ألتفت حوالي خوفا من وقوع نظر طفلي عليها ولم تكن قناة واحدة بل عدة قنوات جعلت كل واحدة لها سياسة خاصة في تبرير ما تعززه من فكر إجرامي متطرف.. حينها عرفت السبب الحقيقي في انجراف العديد من الأطفال وبعض الشباب للزمرة الضالة والمنحرفة فكرياً ودينياً.
نحن مجتمع مسالم رقيق المشاعر لم يعتد على ارتكاب جرائم إنسانية ولم تسجل في تاريخنا حوادث إلا بعد انتشار هذه القنوات الفضائية التي سمحنا لأطفالنا بمتابعتها بحجة أنها قنوات دينية وجعلنا ترددها متاحاً..
لم أنم تلك الليلة من بشاعة ما شاهدته ألماً وحزناً على أناس قتلوا ببشاعة وكانت بشاعة نقل صور قتلهم أشد على قلبي خوفا من أي يقع أطفالي عليها.
فمن المسؤول عن ذلك ومن أتاح لهم الفرصة للعبث بعقول أبنائنا بمثل هذه المشاهد لجرهم خلفهم كالقطيع دون وعي بحجة الجهاد والنفير والدفاع عن الإسلام والمسلمين.
ولا زلت أبحث عن مبرر لاستمرار بث هذه القنوات دون رقيب أو حسيب رغم ما تشكله من خطورة على الأمن الفكري لمجتمع مسلم بسيط مسالم.
كنت أقول دائما: إن الشبكة العنكبوتية من أهم عوامل انتشار الفكر الإجرامي المتطرف أما بعد أن شاهدت بنفسي هذه القنوات وما تعرضه أصبحت أحملها وأحمل المسؤولين عن بثها ولا أخلي مسؤولية الأسرة فكلهم شريك في تفشي هذه الظواهر وكلهم له نصيب بقدر ما ساهم فيه من خلل في التوازن الفطري للكائن البشري الذي خلقه الله ليعمر الأرض بالسلام...
وأقصد بالسلام.... ذلك المفهوم الواسع والشامل لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).