عبدالعزيز بن سليمان القرعاوي ">
إن الطفل البذرة والبنية الأولى والأساس لبناء المجتمع كان الطفل إلى زمن قريب في الثمانينيات وما قبلها ينشأ ويترعرع بين والديه وأسرته على الفطرة النقية الصافية، وينمو في مراحله العمرية في بيئة نظيفة من الملوثات العقلية كان يكتسب ويتلقى سلوكياته وأخلاقياته من محيطه الاجتماعي المحصورة في الأسرة والجيران والأقارب وقرناء سنه.
إنني أحكي واقعاً عايشناه ومررنا به، الطفل فيه يعيش بطفولته البريئة في اللعب واللهو مع قرنائه وإن كان في الشارع أو في المدرسة أو في الحارة فالأب والأم والجار وأهل الحي والكل مطمئن وغير خائف على أبنائه. وكانت كلمة تقليل وتحديد النسل واستعمال موانع الحمل غير واردة بل تتنافس الأسر وتتفاخر في زيادة النسل لأن المجتمع والبيئة حاضن مطمئن ومريح، ولعلي أرجع إلى عنوان الموضوع (أطفالنا والتلوث الإعلامي) بعد التعرف على شيء من حياة الأمس بشكل مختصر.
ولقد تغير الوضع وتحرك مؤشر التغير حتى ولم يجد الرقم الذي يقف عنده وجاء طوفان بل تسونامي وثورة الاتصالات وقلبت المفاهيم وحطمت الأسوار وأصبح العالم قرية صغيرة سماؤها تتزاحم فيها الأقمار التي تبث الصالح والطالح وتلقى الناس هذا الكم الهائل من المعلومات عن طريق التواصل في الأجهزة الحديثة وتسابقت الشركات في تحديث الأجهزة وتطورها وتلقاها الناس في البداية بتحفظ إلا أنه سرعان ما سلب العقول وتنافس الكل في اقتنائه بل الكثير منهم يتباهى في اقتناء أكثر من جهاز.
وحدث ولا حرج فيما أحدثته هذه الأجهزة وما فيها من الملوثات الإعلامية العقلية والجسمية وإن المصيبة الكبرى هي وصول هذا التلوث الإعلامي إلى أيدي وأسماع وأبصار أطفالنا بشكل رهيب واخترق عقول صغارنا وفلذات أكبادنا في غفلة وتهاون وعدم اكتراث فيما سوف ينتج من هذا التلوث الإعلامي على عقول وصحة ونفسية أبنائنا، لقد تلاشت بيئة الشارع وأولاد الحارة واللعب واللهو معهم وتحولت إلى بيئة الجولات والأيبادات والألعاب الإلكترونية ومشاهدة الأفلام الكرتونية التي تسعى إلى تلوث هذه العقول البيضاء النقية بالسموم والسلوكيات المنحرفة وقد تصل وهو الحاصل إلى الإخلال، وما هذه الظواهر السلوكية في الملبس والحركة والتحرش الجنسي وأن دراسة حديثة أجريت في المملكة كشفت عن تعرض طفل واحد من كل أربعة أطفال للتحرش الجنسي، فيما كشفت إحصائية أن المحاكم السعودية نظرت لـ3416 قضية تحرش عام 2014م هذا في مجتمع يعتبر محافظا إذا قورن بمجتمعات الوطن العربي، إنها كارثة وأمر خطير أن نتفرج على أنامل أطفالنا وأحياناً والله لا يتعدى سنه الثلاث سنوات أن تدير أجهزة أكبر من عقولهم، ويتلقون منها هذا التلوث الإعلامي المفسد والمؤثر على نموهم الجسمي والعقلي والفكري فينتج جيل تتفلت منه القيم السامية والسلوكيات الحسنة لا يسلم ولا يرد السلام، ولا يحترم كبار السن فلا يقدمه في الدخول ولا يتأخر عنه في الخروج، وغابت كلمات التقدير تفضل يا عم يا خال، كثرت الحركات وارتداء الألبسة غير اللائقة ولبس الأسورة والميوعة في الكلام، وكثرت الصراعات والمشاجرات في البيوت والأسر والمدارس، وصرنا نسمع الطعن والضرب المبرح والتحرش لقد غفل الوالدان وانشغلوا عن الأبناء وقصرت المدارس في التوجيه والإرشاد وتهاون المجتمع كله عن رعاية هذا الطفل وسلموه ورموه تحت وطأة هذا التلوث الإعلامي الذي لوث كل شيء في أطفالنا.
إنني لست متشائماً ولا مبالغاً فيما ذكرته بل أحكي الواقع والمستقبل المخيف لأطفالنا إن لم نتدارك الأمر بشكل جدي ويرجع الأب لقيادة الأسرة وترجع الأم لوظيفتها الحقيقية وتحتضن طفلها وترعاه وتحفظه من هذا التلوث الإعلامي وتقوم المدرسة بالتعاون مع البيت بالتوجيه والإرشاد والمتابعة وأن يقوم المعلم بتأدية أمانته على الوجه الأكمل ويحتسب في متابعة ما يحدث لطلابه من تغيرات وعلى أئمة المساجد وخطباء الجوامع التنوير والتحذير وعلى الجامعات وهيئة تدريسها دور كبير، وعلى الإعلام بكل وسائله على المجتمع بكل شرائحه أن يهب لحماية هذا الطفل من هذا التلوث الإعلامي الذي هجم بلا هوادة واخترق عقول فلذات أكبادنا وأفسد فطرتهم وسرق براءتهم.
نداء خاص للأب والأم لا تضيعا هذه الأمانة فإن ضاعت فلسواها أضيع لا تغلبكم العواطف وتسلموا أطفالكم هذه الأجهزة بلا حسيب ولا رقيب ومتابعة، لا ترموا هذه الأمانة في هذا المستنقع الملوث، حينها لا ينفع الندم عند ينفلت الأمر حفظ الله أولادنا أكبادنا التي تمشي على الأرض أن تخدش على غرة وغفلة منا، ورزق الجميع الوعي والإدراك للحق والوقوف أمام هذا الإعلام المسموم الذي يستهدف تغيير بوصلة هذه الأمة من تلويث عقول أطفالنا والله المستعان.
- عنيزة