في ليلة نجدية حالمة طرز القمر ظلامها بخيوطه الذهبية، ولطف الهواء جوها بنسماته الندية، وتحديدًا في مساء يوم الأربعاء 20-2-1437هـ، وفي قاعة الوجيه (عبدالعزيز بن علي الشويعر) بالمركز الحضاري في جلاجل، في هذا المساء الجميل احتفت دارة الملك عبدالعزيز بمؤرخ نجد الشهير الشيخ (عثمان بن عبدالله بن بشر 1210 - 1290هـ) فزفته إلى المثقفين بعامة وإلى المؤرخين بخاصة في عرس ثقافي بهيج من خلال ندوة أقامتها عنه مفتتحة بذلك برنامجها التعريفي بأعلام المملكة العربية السعودية، وقد أحسنت الدارة صنعاً حين أقامت هذه الفعالية الثقافية عن ابن بشر في مسقط رأسه (جلاجل) وهي فكرة موفقة تشكر عليها الدارة، وتستحق منا الإشادة والتقدير؛ ففيها إلى جانب التعريف بهذه الشخصية المهمة للأجيال المعاصرة ربط لهم بماضيهم وبشخصيات من بلادهم أثرت الجانب التاريخي لمملكتهم، وتناولت حقبة من تاريخها المجيد لو لم يهيئ الله لها هذا المؤرخ وأمثاله لضاعت، ولما عرفت الأجيال اللاحقة شيئاً عنها، وجميل جداً أن يكون الاحتفاء بأي شخصية علمية أو ثقافية في مسقط رأسه؛ ففي ذلك تكريس لانتمائه وحفظ لحق البلدة التي أنجبته والتي تفخر به، وآمل أن يكون ذلك سنة تنتهجها الدارة في الاحتفاء بالشخصيات التي تركت أثراً بارزاً في حضارة هذا الوطن من مختلف بلدانه.
وقد كانت الندوة متميزة من جميع الوجوه؛ فتنظيمها رائع، وفرسانها نخبة من الأكفياء، فالزميل العزيز الأستاذ الدكتور حمد بن ناصر الدخيل بحاثة مدقق يشبع الموضوع الذي يتناوله، ولا يقل عنه شأناً الأخوان الكريمان الدكتور دايل بن علي الخالدي والأستاذ علي بن سليمان المهيدب ومديرها الزميل العزيز الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري الأديب والإعلامي المتميز، وحظيت الندوة بحضور كثيف فاق المتوقع يتقدمهم سمو الأمير عبدالرحمن بن عبدالله بن فيصل محافظ المجمعة، ومعالي الدكتور فهد بن عبدالله السماري المستشار في الديوان الملكي والمشرف العام المكلف على دارة الملك عبدالعزيز، وسعادة المهندس عبدالله السويد رئيس مركز جلاجل، وقد ألقى الدكتور السماري كلمة وضع فيها النقاط على الحروف مبينا فلسفة الدارة في إقامة مثل هذه المناشط، ومساندة الحكومة الرشيدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ووفقه- للدارة في كل أنشطتها، كما كان حضور الشيخ محمد البشر حفيد المؤرخ، وإلقاؤه كلمة عن جده وعن أسرته ذا أثر فاعل في إثراء الندوة، وقد أعطى المعرض المصاحب للندوة والمشتمل على مؤلفات ابن بشر وعلى مطبوعات الدارة إضافة مفيدة أسهمت في نجاح الندوة وتحقيقها لأهدافها، فبارك الله في مسؤولي الدارة على جهودهم في إقامة هذه المناشط، وشكر الله للقائمين على الندوة عملهم في إخراجها بهذه الصورة الجميلة، والشكر موصول للحاضرين الذين أتوا من كل مكان؛ ليستمتعوا بهذه الندوة ويستفيدوا مما طرح فيها من معلومات، وتمنيت أن أكون أحد الحاضرين ولكن ظروفي الصحية لم تمكني من الحضور شخصياً فعشتها قلبياً.. وشكر خاص للزملاء المشاركين في الندوة على تجشمهم الحضور، وعلى إثرائهم الجوانب التي تناولوها في شخصية المحتفى به.
وإن كان هناك ملحظ على الندوة فلا يعدو أن يكون ملحظاً يسيراً لا يقدح في جمالها ولا في جودتها يتمثل في قلة الكتب الموزعة على الحاضرين الذين يتمنى كل واحد منهم الحصول عليها، ولعل العدد الكبير الذي حضر الندوة هو السبب في ذلك، كما كنت أتمنى أن الندوة تبنت توصية لهيئة السياحة والتراث الوطني بإعادة بناء منزل المؤرخ ابن بشر بوضعه الذي كان عليه؛ ليبقى معلماً يخلد ذكره، ويجعله حاضراً في ذاكرة الأجيال المتعاقبة.
ولا يفوتني في ختام حديثي عن الندوة أن أغتنم هذه المناسبة فأجدد طلباً طرحته في مقالات سابقة رجوت فيه الهيئة أن تعتني بآثار مدينة جلاجل ومنها: بيت المؤرخ ابن بشر، وبيت الشيخ العنقري قاضي سدير في وقته، والبلدة القديمة، وغير ذلك من الآثار التي تستحق من الهيئة عناية واهتماماً يليقان بها أسوة بما تحقق في بلدان أخرى من مملكتنا العزيزة.. كما لا يفوتني أن أثني على اقتراح حفيد الشيخ بأن تقوم جامعة المجمعة بإنشاء قاعة في جلاجل تحمل اسم المؤرخ ابن بشر اعترافاً بفضله، وإحياء لذكره تقام فيها فعاليات الجامعة المختلفة من محاضرات وندوات ولقاءات علمية وثقافية ومناقشة رسائل وغير ذلك، وهو عمل تسهم به الجامعة إلى جانب ذلك في خدمة مدينة جلاجل التي لم تستفد من الجامعة شيئاً، حيث تجاوزتها الجامعة إلى بلدان أخرى مع أنها الأقرب لها ولم يشفع لها هذا القرب، ولا إخال الزميل العزيز معالي الدكتور خالد المقرن مدير الجامعة إلا مباركاً هذا الاقتراح. وأعود مرة أخرى فأكرر الشكر للدارة على جهودها، ولكل من قام على الندوة وسعى في إظهارها بهذا المظهر الرائع.
كتبه/ د. عبدالعزيز بن إبراهيم الفريح - أكاديمي وكاتب