خولة التركي: على جميع القطاعات والمؤسسات أن تتعاون في نشر ثقافة الحوار ">
الجزيرة - عبدالرحمن المصيبيح:
هل يمكن للحوار أن يشكل مجالا خصبا لتلاقي بعض مؤسسات المجتمع من أجل ترسيخ أهدافه وتشكيل مكوناته وإيصاله لمختلف الشرائح؟ وما السبيل إلى ذلك؟.
وهل هناك معوقات تعيق نشر ثقافة الحوار وقيمه ومبادئه؟، هذه الأسئلة وغيرها هي ما تناولته الباحثة خولة بنت ماجد التركي التي أكدت على أن المجتمع ومؤسساته يتحملان مسؤولية مهمة في تدريب الأبناء على الحوار وتعلم مهاراته والإلمام بطرق المناقشة والتواصل، بتصحيح بعض مفاهيمه وسلوكياته وعاداته الخاطئة، وإيجاد منافذ ومنابر للحوار، وتدريبيهم، وإشاعة جو الحوار في مؤسسات المجتمع المدني.
ورأت الباحثة أنه ينبغي على جميع القطاعات والمؤسسات أن تتآزر وتتعاون في نشر ثقافة الحوار، مشتركة فيما بينها ابتداء بالأسرة والوالدين، والمدرسة والمعلمين، في تربية الأبناء على الحوار، ومن ثم بالمساجد وأئمتها وخطبائها، وانتهاء بالإعلام ومجالاته الواسعة، فوسائل الإعلام أداة فاعلة وأساسية في إرسال ثقافة الحوار ونشره. وجاء ذلك في بحثها الأكاديمي الذي تقدمت به لكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والذي يحمل عنوان: (معوقات الحوار في المجتمع السعودي وسبل تنميته). «الجزيرة» تقرأ أهم ما جاء في بحث التركي.
المؤسسة ونشر الحوار
رأت الباحثة أن ثمة مؤسسات متعددة يقع عليها نشر قيم الحوار وثقافته، من أبرزها الأسرة: على اعتبار أن نشوء الأبناء في جو أسري تسوده الألفة والمحبة والثقة والتفاهم يحصنهم من مخاطر الانحراف والانحلال، ولن يتحقق ذلك إلا عن طريق التواصل والحوار الأسري. لأن من أهم العوامل التي تؤثر في رفع مستوى ثقافة الحوار هي التربية الأسرية بحيث يقع على الوالدين المسؤولية الكبرى في التربية بشكل عام وفي التربية على الحوار خاصة.
وذلك يتطلب - فيما تؤكد الباحثة- الإيمان بأهمية الحوار والاقتناع بجدواه وترسيخ ثقافة الحوار لدى الأبناء عن طريق التربية بالقدوة: و تعليم الأبناء آداب الحوار: و تنويع وتجديد أساليب الحوار مع الأبناء وعدم الجمود على نمط وطريقة واحدة: والتعرف على طريقة تفكير الأبناء وما يتحاورون فيه وما يشغل اهتمامهم حتى يمكن الدخول معهم في الحوار، وتتم مناقشتهم بموضوعية وتنطلق الآراء من الإحساس بالواقع وعدم الانعزال عنهم.
مصادر حوارية
شكل مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني مجالا خصبا وأساسيا من المجالات التي استلهمت الباحثة منها بعض محددات الدراسة، سواء في الإشارات إلى دوره الحواري أو بالاعتماد على جملة من الإصدارات الفكرية التي أصدرها متناولا فيها عددا من الموضوعات الحوارية منها: دور الأسرة السعودية في تنمية الحوار لدى الأبناء من منظور تربوي إسلامي، والتربية الدينية في المجتمع السعودي، والحوار آدابه وتطبيقاته في التربية الإسلامية، والحوار الوطني ودوره في تعزيز الأمن الوطني للمملكة العربية السعودية، والحوار آدابه ومنطلقاته وتربية الأبناء عليه، ودور وسائل الإعلام في تعميق الحوار الوطني لدى المواطن السعودي، وغيرها من الإصدارات التي شكلت مهادا معرفيا للباحثة وأتاح المجال لطرح عدد من الأفكار والتصورات.وتعد المدرسة من أهم المؤسسات التربوية التي ترتبط بها التربية ارتباطا وثيقا حيث إنها تشارك في تربية الأبناء على أسس علمية وتربوية، إذ أنها تسهم ببناء جيل يحسن التعامل مع محيطه الخارجي ومن خلالها تظهر سمات المتعلمين وتتميز شخصياتهم، كما أن مسؤولية المدرسة لا تقتصر على إعداد النشء للتعامل مع المجتمع كأقوى مؤسسة تربوية، بل يتعدى ذلك إلى ربط الطالب بالمجتمع العام من خلال مناهج المدرسة التربوية، وحثه على الإبداع والقدرة على التفكير، وزرع روح المنافسة في اكتساب المعرفة وتعزيزها.
المسجد والتربية الإسلامية
يعد المسجد أحد وسائط التربية فهو ليس مكانا لأداء العبادة فيه فقط بل مهمته أكبر من ذلك بكثير فكما أن المسجد يقوم بدور مهم في التربية الإيمانية لأبناء المجتمـع الإسلامي، فإنه أيضاً يقوم بدور مهم في التربية الخلقية لأبناء المجتمع الإسلامي، وحيث تقام في المساجد لقاءات ومحاضرات وخطب وندوات متنوعة ، يمكن الاستفادة منها في تربية أفراد المجتمع على الحوار ، وذلك من خلال :تدريبهم على أسلوب المناقشة، وكيفية التعبير عن الأفكار والآراء بوضوح وسلاسة ، فضلا عن احترام أفكار وآراء الآخرين، والنقد البناء الذي يستهدف المصلحة والحقيقة فقط، دون التحيز لرأي أو فكرة. واكتشاف مواطن العلل والخلل في ضعف ثقافة الحوار، من خلال الندوات العلمية وخطب الجمعة، والعمل على علاجها.
الإعلام دور متميز
وتشير الباحثة إلى الدور المهم الذي يلعبه الإعلام والاتصال في نشر الحوار حيث تعد الوسائل الإعلامية وسيطاً فعالاً من أوساط الارتقاء بالوعي وتنشيط العقل على مستوى الفرد والمجتمع وتشجيع المؤسسات التربوية والتعليمية في نشر الحوار، وذلك ضمن إطار نظام كلي متكامل يعتمد أساساً على الأساليب والمناهج العلمية في مناقشة كل أمور الحياة.
فهي ترى أنه يمكن للصحافة أن تقوم بدورها الإيجابي في تنشيط الحوار من خلال النشر المنضبط وإيضاح الجوانب السلبية لمواضيع الحوار وتأثيرها وخطورتها على المجتمع، مقابل ذلك إيضاح أيضاً الجوانب الإيجابية للحوار ودوره الكبير في توعية المجتمعات ورقيها.كما أن الإذاعة المسموعة وهي من الوسائل الإعلامية الساخنة التي تجعل المستمع في حاله من الانتباه والتخيل والتحليل السريع، حيث يمتد تأثيرها لمن لا يقرأ ولا يكتب وبالتالي فإن برامج الإذاعة المنتقاة بكل دقة يمكنها المساهمة في تنشيط ثقافة الحوار بصفتها ذات نطاق واسع يسمح بمشاركة أكبر عدد من أفراد المجتمع.
أما التلفزيون: فإن برامجه بأنواعها الاجتماعية والدينية والسياسية وغيرها تلعب دوراً هاماً في توسيع مدارك الفرد وتفهيمه أكثر القضايا و المواضيع تعقيداً.حيث يمكن للتلفزيون تقديم رؤية للمواضيع وفق طرح صريح وصحيح من خلال صياغة الوقائع للجميع، وذلك من خلال تقوية وتعميق الحوار الإيجابي وخصوصاً الحوار الذي ينبذ إقصاء الطرف الآخر.
كذلك فإن الانترنت: من الممكن أن يقوم بدور إيجابي في تفعيل الحوار إذا تمكنا من الاستفادة منه في طرح قضايا الحوار الفعال وإيضاح أهميته في رفع مستوى ثقافة الفرد ليتمكن بعد ذلك من تفهم طبيعة الحوار ودمجه داخل ذاته حتى يستطيع التحاور والتكيف والتقبل.
وتدعو الباحثة إلى إيجاد محاولة جادة من وسائل الإعلام في مساندة الفرد السعودي لقبول الطرف الآخر والتحاور البناء الصادق الهادف.وزيادة التقرب للفرد السعودي سواءً أكان محاوراً أو غير محاور، واستخدام الكلمات والعبارات اللغوية المؤثرة ذات الارتباط الوثيق بتكوين ملكة الوعي والإدراك وإبداء الرأي المقبول الذي يخدم المصلحة العامة.
إيجابيات حوارية:
وأكدت خولة التركي على أن الحوار يحقق الكثير من الإيجابيات من أبرزها : تحسين ظروف الحياة الإنسانية، وإشاعة الخير والصلاح في المجتمع، وتنمية العلاقات الإنسانية بين أفراده، وحفز المواهب للابتكار بروح المنافسة، وتحقيق التفاعل الإيجابي الذي يقوم على التسامح لإثراء الحياة وتنشيط العقول، ومن ثم يساعد ذلك على فك الاحتقانات الاجتماعية والسياسية، وإزالة العقد الثقافية، فضلاً عن أن غياب الحوار قد يتسبب في خلق الاضطرابات الاجتماعية، واشتداد الأزمات، واضطراب المجتمع وكثرة الخلاف فيه.
ويتحقق بالحوار التعلم وكسب الخبرة لأطرافه من خلال الاستفادة من خبرات بعضهم من بعض لمواجهة مشاكل الحياة المختلفة وإشاعة روح النصح والإرشاد للآخرين، بعيدا عن التشنج ، فالحوار يظهر الأخطاء ويصححها بأسلوب غير مباشر .كما رأت الباحثة أن الحوار يساعد الإنسان على مواجهة مشكلات وضغوط الحياة التي يمر بها ، فالحوار يقدم الحلول المناسبة التي تمكنه من التغلب على ذلك باقتدار، وتنمية الثقة بالنفس بين المتحاورين وهكذا كما تلخص رؤيتها فإن خلاصة الحوار المنتج وإيجابياته تبرز في إيجاد مساحات مشتركة بين أبناء المجتمع، فبالحوار تضيق الفجوة والهوة والخلاف.
وتأسيساً على ما سبق يمكن القول إن أي مجتمع يسلك طريق الحوار حول قضاياه المختلف فيها: فإن ذلك يعني أن هذا المجتمع بدأ يسير في الطريق الصحيح الذي سوف يخلق له واقعاً جديداً يعينه على التغلب على جميع أزماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية بأسلوب حضاري، يخرجه من دائرة العنف التي تمر فيها كثير من المجتمعات ذات التنوع الفكري والمذهبي العاجزة عن ترسيخ مفهوم الحوار بصفته منهجاً وأسلوباً لمعالجة القضايا والأزمات التي تعصف بها.
وفي المقابل فإن تغييب الحوار أو تضييق مجالاته وميادينه ، له تداعيات سلبية تنعكس على واقع المجتمع بكافة تفاصيله، ومن ذلك: سيادة الخلاف المذموم بين فئات المجتمع، شيوع المناظرات والجدل، وإثارة الفرقة بين المسلمين: وهو من أعظم مخاطر غياب الحوار بين فئات المجتمع.