د. عبدالواحد الحميد
على هامش المأساة الإنسانية الأليمة التي وقعت قبل أيام حين شبَّ حريق في مستشفى جازان، ذكرت صحيفة عكاظ أن مسؤولاً في وزارة الصحة كشف أن مخارج الطوارئ في ثلاثين بالمائة من المستشفيات الحكومية مغلقة وذلك للحيلولة دون هروب الموظفين في أوقات العمل!!
إذا كانت هذه المعلومة دقيقة فهي تؤكد لنا فداحة الإهمال وانعدام الوعي بأهمية معايير السلامة في مكان عام يضم مئات وربما آلاف الناس. كيف لا يخطر ببال المسؤولين أن هذه المستشفيات قد تتعرض لنشوب حريق وأن إغلاق أبواب الطوارئ هو من الناحية الفعلية (غير المقصودة بالطبع) قرار بتحويل المكان إلى محرقة؟ وكيف يفوت على المسؤولين أن هذه المخارج لم توضع عبثاً كي يقوموا بإغلاقها وإنما وضعت لإنقاذ أرواح الناس عند نشوب الحرائق في الأمكنة المكتظة أو حدوث أي خطر آخر يهدد حياة الناس فيخرجون من أبواب الطوارئ هرباً من الخطر؟
والغريب هو أن الحجة لتبرير غلق مخارج الطوارئ لا تقل سوءاً عن الذنب! فهروب الموظفين أثناء ساعات العمل بهذا الشكل الذي برر للمسؤولين إغلاق مخارج الطوارئ يدل على حالة من الفلتان والفوضى في بيئة العمل! وحتى لو نجحت هذه الحيلة الغريبة في الحيلولة دون هروب الموظفين، ما الانتاجية التي ننتظرها من موظف يعتقد أنه «محبوس»؟ ألا توجد طريقة أفضل من إقفال مخارج الطوارئ لإبقاء الموظفين يعملون في مكاتبهم بكامل إنتاجيتهم حتى انتهاء ساعات الدوام؟ وهل مجرد الحضور البدني للموظف دليل على أنه يؤدي عمله؟
أما مأساة حريق مستشفى جازان تحديداً فهي تجسد جملة من الأخطاء الفادحة الشنيعة التي يأتي على رأسها الإهمال الشديد وعدم المبالاة بالرغم من تنبيه وتحذير الدفاع المدني في وقت مبكّر عن أوجه القصور التي تمت ملاحظتها والتي كانت تقتضي عدم افتتاح المستشفى حتى يتم تلافيها بالكامل. وقد نشرت الصحف الخطاب الموجّه من الدفاع المدني إلى الصحة والذي تضمن الملاحظات بالتفصيل!
هناك أبجديات يعرفها الجميع عن احترازات الأمن والسلامة التي يجب اتخاذها في الأماكن العامة مثل المدارس والمستشفيات والأسواق ومكاتب الشركات والأجهزة الحكومية وغيرها. وقد كان حرياً بالمسؤولين عن المستشفى استيفاء جميع الملاحظات المتعلقة بمعايير الأمن والسلامة مهما كانت الضغوط التي دفعت إلى استعجال افتتاحه.
السؤال المؤرق الآن بعد هذا الثمن الفادح الذي تم دفعه لمجرد تنبيه المسؤولين في وزارة الصحة عن أهمية السلامة هو: متى يتنبه الجميع، سواءٌ في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، عن أهمية اتخاذ احتياطات السلامة والأمن في الأماكن العامة؟
أسأل الله ألاّ نستيقظ ذات يوم على فاجعة أخرى كفاجعة مستشفى جازان، فنحن نكرر الأخطاء بشكل مؤلم ولا نتعلم إلاّ قليلاً..!!