فهد بن أحمد الصالح ">
انتهت الانتخابات البلدية والكثير من الكتاب لم يكن في طرحه الراضي عليها وطرح العديد من التصورات والتوقعات، لما سيكون عليه الحال والصورة التي ظهرت بها المرأة وهي تمارس حقها الطبيعي في المشاركة في اتخاذ القرار، وهل كان وجودها يعني تقدير جهودها؟ وهل فاز هنا او هناك من يستحق الفوز ويحقق قيمة مضافة للمجتمع؟ ام انها فئوية قد رتبت ونحت في ظل عدم وجود ضوابط دقيقة لا يرشح فيها الا الكفؤ وسوف آتي على بعض المشاهدات لكي نستفيد في مطلع الدورة الثالثة ونحقق بعض الطموح على ان تعالج السلبيات سواء الرسمية او المجتمعية في النسخة الرابعة ونحتاط لذلك من الان حتى لا نكرر الخطأ ونحرم المجتمع من الفائدة ونعزز ثقافة الانتخابات التي ترغب الدولة لا شك في نجاحها حتى تعمم على ما يمكن ان تطبق فيه في بعض المجالس كمجلس الشورى أو مجالس الهيئات والجمعيات التخصصية وكذلك مجالس مؤسسات النفع العام التي طالها ما طال العملية الانتخابية البلدية من تحزب وتحجر إن جاز التعبير:
- لم يكن من المناسب ان يفتح المجال لكل من يرغب في ترشيح نفسه للانتخابات دون التأكيد على وجود مؤهل لا يقل عن الجامعي وخبرة عملية لا تقل عن العشر سنوات ومنهج سلوكي قويم وكذلك بصمة مجتمعية سابقة لأن المرشح مثلما اريد له سيكون شريكا في القرار البلدي، فكيف يقبل في ذلك اقل من طموحات المواطنين الذين سيمثلهم المرشح؟، مع ضرورة ان تجرى مقابلات شخصية تشارك فيها عدة جهات حتى تتأكد من صلاحية المرشح وسؤالهم عن برنامجه الانتخابي وهل سيظهر للجنة المأمولة ان هذا البرنامج قد كتب له او من واقع خبرته وكيف سيحققه مع فريق المجلس او انها لتعبئة خانات النموذج الانتخابي الشكلي وهذا لا شك هو دور الشؤون البلدية والقروية تحديداً.
- تجاوز العُمد ومكاتب العقار في احضار مشاهد عن آلاف المواطنين والمواطنات وانهم من سكان مدينة وهم غير ذلك واستنهضت الهمم وتم استئجار حافلات من اجل تسجيلهم في البداية واعادتهم الى مساكنهم في قرى وهجر ومراكز وحتى في محافظات اخرى ثم التكفل باحضارهم واعاشتهم مرة اخرى للتصويت وكانت النتائج مذهلة واخذ الاصوات من هم ابعد عن الهم البلدي من غيرهم، ولكن كان يهمهم الفوز كقيمة اجتماعية وتحقيق الاكثرية الشعبية.
- احتفلت إحدى القبائل بعد فرز النتائج أنها تجاوزت على مستوى المملكة 110 مرشحين فائزين، وهذا جزء من الثقافة التي أفرزتها فعاليات أخرى ونحتاج وقتاً أطول لتصحيحها لأن الهدف خدمة وطن ومواطن وليس خدمة فرد وقبيلة.
- دون شك إن النظام الانتخابي الذي أقر هذا العام والصلاحيات التي منحت للمجلس البلدي تستحق وقفة شكر لوزارة البلديات، ولكن هل من فاز سيحقق طموح المواطن وتصبح مشاركة في القرار ذات تأثير؟، وما كشفه يوم الانتخاب من مشاهدات لا يحمل ذلك الأمل، ثم ما استمعنا اليه من بعض المرشحين الفائزين والمرشحات الفائزات لا يوحي انه تم اختيار الرجل المناسب للمهمة المناسبة، وثقافة الفزعة للأسف الشديد تتكرر للمرة الثالثة دون اهتمام بنتائجها .
- لأول مرة يشار بالتقصير للمجلس البلدي على لسان سمو أمير منطقة القصيم بعد السيول الجارفة التي طالت مدينة بريدة، وهذا معناه ان المحاسبة ستكون على جميع المجالس البلدية، ونتوقع ان لأصحاب السمو أمراء المناطق دور حيوي في تفعيل المجالس البلدية ومحاسبة المقصر منها، وهذا يعني ان الكفاءة والتنوع العلمي والثقافي والبيئي هامة جداً في المرشح، علماً أن أحد القيادات البلدية قد صرح انه إذا رأى المجلس البلدي أمراً فإننا لا نعارضه، سواء في تصريف السيول أو مرامي النفايات وغيرها، حتى ولو كان راي البلدية يخالف راي المجلس وهذا من باب السلامة والبعد عن المسؤولية إذا لم يكن لتغليب المصلحة الأولوية وهذا فيه انتزاع اختصاصات أو هروب من المسؤولية.
- البحث عن أسباب العزوف في التسجيل والترشيح وكذلك الترشح طالما اننا نبحث عن التفاعل المجتمعي وكذلك المرشح الكفؤ، وهل يمكن ان تكون عملية الترشيح الكترونية؟ او هل يمكن ان تطول فترة الترشيح لأكثر من يوم حتى نواكب ظروف الراغبين في تسجيل اصواتهم؟، ثم هل يمكن ان تشرك تحديداً وزارة التربية والتعليم بصورة أكبر؟ لان من لا ابن له او بنت في هذه المدينة لن يكون من سكانها ومن يكن ابنه وبنته في تلك المدينة فلا يحق له التصويت في غيرها حتى نقلل الفزعة قدر الامكان في ذلك، ولو اجرت البلديات دراسة مبسطة على المطاعم والمطابخ لوجدت الفرق واضحاً في يوم الانتخابات والذي يؤكد المقولة (أنا وأخوي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب).
- ورد بموجب النظام الذي صدر بالمرسوم الملكي رقم م/ 61 وتاريخ 4-10-1435 صلاحيات محدده للمجلس البلدي ومسؤوليات ست رئيسية تنطوي على أكثر من 24 مسؤولية فرعية، فكيف للوزارة ان تتأكد من مفهومية المرشح في الاصل لها وقدرته ان يدفع بتحقيقها لمصلحة المواطن وتغليب المصلحة العامة وعدم تجاوز ذلك الى ملاحظات فردية تستهلك وقت المجلس دون تحقيق فائدة تواكب تطلعات المواطنين الذين عززوا وجودها ودعموا نجاحها.
- بالرغم من الثقة باقتران الانتخابات بالتكتلات وفي كل دول العالم وعدم رضانا عن التكتلات التي تعزز الفئوية وتدعم فرض القبيلة الا انني كنت ممتناً من التكتل لفئة ليست قليلة في الرياض عندما اجتمعوا قبل الترشيح وعرفوا من الذي سيرشح نفسه وانتخبوا منهم لجنة لفرز المرشحين والابقاء فقط على اثنين منهم بالرغم من انهم تجاوزوا 15 مرشحا، واتفقوا برضا تام ان تذهب الاصوات لهؤلاء فقط لانهم بقناعة الجميع كانوا هم الأفضل وهم من سيحملون صوت تلك المجموعات بصدق وتتوفر فيهم كل صفات النجاح، مع التأكيد على المشاركة من الجميع وبالفعل تحقق لهم ما أرادوا وخططوا له، وهذا تكتل في المصلحة العامة والفزعة المحمودة وليس من باب القبيلة والفزعة المذمومة.
- الدور التوعوي الرائع الذي قامت به وزارة البلديات والانتشار الشامل لها في جميع المناطق ومشاركة القطاع الخاص وبعض مؤسسات النفع العام معها، كيف لنا ان نقيس أثره ونطوره؟ وهل القيام بذلك عن طريق مؤسسات اعلامية افضل او يتم ذلك بجهود الوزارة التي تحتاج في تلك الفترة إلى من يعينها والمؤسسات المتخصصة تستطيع ان توصل الرسالة بعدة قنوات ووسائل وتستطيع ان تبتكر برنامجاً يقيس التأثير ومستوى الرضا وحتى أسلوب المشاركة.
- تحرص الوزارة على الثلث المعين من اعضاء المجلس البلدي حرصاً شديداً، وهذا يتطلب ان تكون الترشيحات من التربويين ورجال المال والأعمال وكذلك المهنيون، وهو موقف مقدر تعالج فيه ربما القصور الذي انتجته الانتخابات والترشيح، ولكن لو بذل نفس الجهد كما ذكرت سابقاً على المرشحين وفرزهم حسب الضوابط والتعليمات والمقابلات الشخصية لتحقق جزء كبير من الطموح، ولوجدنا الاشتراك في الانتخابات يزداد عاماً بعد عام وليس تراكمياً كحالنا.
- أحسنت الوزارة في ادخال العنصر النسائي للعملية الانتخابية، ولكن في نظري ان عدم تحديد نسبة لها في المجالس اعاق تحقيق الهدف المنشود، ورأينا ان الكثير من المجالس لم تفز المرأة فيها بسبب ذكورية المجتمع وثقافة العيب التي اعاقت الكثير من البرامج الخاصة بالمرأة والضغوط على ولي أمرها بسحب ترشيحها، ولا أقل من أن يحدد لها 33% من اجمالي الاعضاء في المجلس أسوة بمجلس الشورى والعديد من المجالس العلمية والمهنية ومؤسسات النفع العام.
- لم تتحقق المساواة في الحملات الترويجية بين المرشحين مثلما ذكروا في أكثر من وسيلة واعتمد ذلك على القدرة المالية في ابراز الاسم وعبر كل الوسائل، وكان من الأنسب مثلما قال المثل (المساواة في الظلم عدل)، وهذا لا يعني الدعوة له ولكن قد ترى الوزارة مستقبلاً الاقتصار على الإعلان عن الاسم والبرنامج الانتخابي في مكان التصويت او مقر المرشح، لان ذلك سيجعل التفضيل للبرنامج الانتخابي اكثر من التفضيل للاسم الذي ملأ الفضاء ترديداً.
- هل تستطيع البلديات ان تربط بين مقر سكن الناخب ونظام شموس العقاري التابع لوزارة الداخلية ومراقبة الحركة الانتقالية لفترة الانتخابات، وكثرة عقود الايجار لتغيير دائرة الانتخاب ومع كتابات العدل لتسجيل العقار المملوك؟.
- ألم يكن باستطاعة البلديات ان ترتب مع احدى القنوات الاعلامية المحلية لاستضافة المرشحين في برنامج حواري مفتوح يقرأ معه الناخب ثقافة المرشح وقدرته على تحقيق طموحه حتى نبني الترشيح على اساس علمي ومواجهة.
- لأنها المرة الاولى لدخول المرأة كان التطلع ان تحتويها البلديات وتساعدها في ادارة حملتها أو تحمل جزء من التكاليف عنها في اكثر من وسيلة ولو بتهيئة مكان مناسب للمرشحات ليجتمعن فيه ويعرفن بأنفسهن ويعرضن برنامجهن.
- بعض الضوابط لم تساعد على النجاح ومنها صورة المرشح وعدم ابرازها في مادة إعلانية والصورة هي المفتاح الاول لمن لا يعرف الشخص سابقاً، وتعطي ارتياحاً للترشيح أو تنفير عنه والعين تقرأ ملامح الشخصية بدقة .
إن كل ما سبق وغيره لا يمنعنا ان نقول انها تجربة جديدة ومتطورة والكثير منا تطور معها وحققت نجاحات رائعة على المجالس المنتهية ان تستعرضها امام الراي العام لان جهود المجالس البلدية هي ضمن العمل البلدي ولا يمكن ان يعرفه المواطن ان لم يسلط الضوء الاعلامي عليه، وابراز منجزاته دون شك سيحقق القناعة به بشكل أكبر أما إذا ترك الأمر فقط دون ابراز فكيف للمواطن ان يعرف المنجزات؟ ثم كيف لمن انتخب عضواً في المجلس البلدي ان يعرف عطاءات المجلس وليس عطاءات العضو لان البرنامج الانتخابي فقط يقدم لإقناع الناخب بالمرشح وانه صاحب رؤية وفكر يستطيع ان يقدم من خلالها ما ينفع المجلس ويدفع بالتنمية الوطنية من خلاله ويخدم بذلك المواطن والمقيم.
ختاماً، إن وزارة الشؤون البلدية والقروية تستحق التقدير على عمل دؤوب من اجل انجاح المجالس البلدية ونشر ثقافة الانتخاب والدفع بمشاركة المواطن في القرارات التي تخص المجال البلدي، وهو جهد لا يجب ان ينكر ولا يكفيه ان يشكر ولكن يبقى الدور على المرشح الفائز ان يعلم ان وجوده يحقق مسؤوليته الاجتماعية في النهوض بالخدمات البلدية وتلمس احتياجات المواطن والمشاركة في المسؤوليات التي حددها النظام، كما ان عليه ان ينبذ الفردية ويسعى للعمل بروح الفريق الواحد ولا يساعد على وجود الخلاف بين الاعضاء وان لا يكون الاختلاف الا في أعلى درجات المنفعة أو أدنى درجات الضرر، وتسخير كافة السبل الممكنة لكي تكون أربع سنوات سمان بالإنجازات الفعلية.