د. خيرية السقاف
تحلو بهم الحياة،.. تطيب بهم الرفقة..
يجمل بهم القبح،.. يتعطر بهم الوجود..
هؤلاء من تجدهم في المواقف فزَّاعين
وعند النداء مجيبين،
وبالضعفاء رؤوفين،
يجبرون العثرات،
يسددون الفجوات،
يحفظون المعروف،
لا ينسون الجميل،
هؤلاء قلة وإن كثروا..!
وهم كُثر وإن قلُّوا
حين نسمع بصنيعهم فإنه يأتينا كالعطر..
يفوح شذاه وهو في مكمنه، شجرةً مزهرة طيبة، أو زجاجة عطر مكنونة..!
وهم حين يربِّـتون بأكفِّهم فهي كالبَـرَد، والزلال..
وحين يشدون العضدَ فهم الجدار، والظهر، والسند..
من هؤلاء النبلاء من لفتني صنيعه بالأمس،
صنيع رجلي أعمال من المواطنين الخُلَّص للوفاء حيث رفقة العمل لا تميز دورًا عن دور، ولا مرتبة عن أخرى، فالإنسان وحده مدار التعامل، وهذه قمة النبل، ومناف العطر.. إذ قرأت عن ذلك السائق الفلبيني العامل في شركتيهما، الذي تعثر به سيره، ولم يتخطَّه قدرُه، حين وقع في ابتلاء قتل خطأ،
سجن وأحيط به حد الشرع، وقاعدة النظام، وكاهله لا يحتمل قيمة الدية للقتل الخطأ التي تعادل ربع مليون ريال..
وجدهما أمامه، من النبلاء اثنين، هما النبلاء هما..
أنقذاه من الموقف،
دفعا عنه 225 ريالاً قيمة الدية وأخرجاه من ثلاثة مآزق:
مأزق الفاجعة التي ابتلي بها، ومأزق الفاقة الممثلة لحاله، ومأزق الحد الشرعي الذي كان يواجهه نظامًا، وهو لا حيلة له، ولا قدرة..
إنهما من النبلاء
من جانب، الذين يقرون حق الفرد في موقع عمله، ويمنحانه ما يوجبه هذا الحق من جهة نظامية،
أما الجانب الآخر الإنساني فيتفوق في هذا الموقف..،
في حين نقف على أن هناك من يجور على الضعيف، يحرمه حق الثقة، والراحة، بل يعرضه للإهانة، والضرب،
ومنهم من يُحمله نفقات أي خطأ يرتكبه في مركبة يقودها، أو بيت يحرسه..، ويملأ صدره بالغبن، ويحده على الحزن، ويكدر عليه عيشه..!!
فتحية للنبيلين اللذين بلغنا شذاهما، وتعطرت بهما الإنسانية، بل الواجب، من كانا إذ لم يبلغنا اسماهما لنشيد بهما.
لكن الأفعال وحدها ما يميز النبلاء الذين تحلو بهم الحياة، وترقى..
وهم في طيب التوفيق يرفلون.