د. عبدالله التركي لـ«الجزيرة»: رابطة العالم الإسلامي تكثّف برامجها لمحاربة العنف والتطرف والإرهاب وبيان خطره على الإنسانية وتحريم الإسلام له ">
مكة المكرمة - خاص بـ«الجزيرة»:
تزايد اهتمام رابطة العالم الإسلامي بالظاهرة الإرهابية في السنوات الأخيرة، وكشفت عن موقفها الرافض لأشكال العنف والتطرف بأنواعه المختلفة، من خلال مجالسها ومؤتمراتها، وتنسيق جهودها مع الحكومات والمؤسسات العالمية. ويؤكّد معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء أنّ الرابطة كثفت جهودها في الدعوة إلى الوسطية والاعتدال ونبذ الغلو والتطرف، والتعاون في معالجة مظاهر العنف الذي يتولد منه الإرهاب، حماية لحرمة الإنسان، وحفاظاً على حقوقه، حيث عقدت العديد من المؤتمرات والندوات والاجتماعات، وشاركت في العديد منها في داخل المملكة العربية السعودية- دولة المقر- وخارجها، وناقشت موضوع الإرهاب، وبينت خطره على الإنسانية وتحريم الإسلام له، وتجريم فاعليه، باعتباره أشد أنواع الإفساد في الأرض.
إسهامات متواصلة
ويبيّن د. عبدالله التركي في حديث لـ»الجزيرة» إسهام رابطة العالم الإسلامي في مكافحة الإرهاب، ومن ذلك مؤتمراتها ومناسباتها التي تعرضت لهذا الموضوع: كمؤتمر مكة المكرمة الثالث، والمؤتمر الإسلامي العام الرابع، والدورة السابعة والثلاثين للمجلس التأسيسي، والدورة التاسعة عشرة للمجلس الأعلى العالمي للمساجد، والدورتين السادسة عشرة والسابعة عشرة للمجمع الفقهي الإسلامي، والمؤتمر الإسلامي العالمي: الإسلام ومكافحة الإرهاب.
وقد أصدرت الرابطة أكثر من خمسة عشر بياناً تندد فيه بوقائع هذه الظاهرة التي شهدتها أماكن عديدة من العالم، إضافة إلى المقالات الصحفية والمحاضرات التي ألقاها المسؤولون في هذا المجال، والرسائل التي بعثت بها إلى قادة الدول المؤثرة.
ويعد البيان الختامي الصادر عن المجمع الفقهي التابع للرابطة، بخصوص تعريف الإرهاب وتصنيفه ضمن جرائم الحرابة، تعبيراً واضحاً وحاسماً عن موقف الرابطة من هذه الآفة الخطيرة. ومما جاء في البيان المشار إليه:
وقد شرع الله الجزاء الرادع للإرهاب والعدوان والفساد، وأنه محاربة لله ورسوله قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (المائدة:33).
ولا توجد في أي قانون بشري عقوبة بهذه الشدة، نظراً لخطورة هذا الاعتداء الذي يعتبر في الشريعة الإسلامية حرباً ضد حدود الله وضد خلقه.اهـ.
أصالة المنهج
وأضاف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أن جهود الرابطة في بيان براءة الإسلام من العنف والتطرف والإرهاب أصيل في منهجها، وليس ناتجاً عن ردود الأفعال حيال ما جرى من أحداث فقط، فعلى سبيل المثال شاركت الرابطة في المؤتمر الثامن للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة الذي عقد في عام 1997م تحت عنوان: «الإسلام ومستقبل الحوار الحضاري».والذي أكد في بيانه الختامي أن التطرف في الفكر أو في فهم الدين، وما يتبع ذلك من انغلاق وإرهاب، لا صلة له بدين الإسلام، وفي مؤتمر الاتحاد الإسلامي لمسلمي أمريكا الشمالية الذي عقد في شيكاغو عام 1998م، تابعت الرابطة عدداً من الموضوعات والدعاوى التي أثيرت ضد الإسلام، وبينت أنها تدين جميع أشكال الانحرافات، ومنها النزوع إلى التطرف، وأكدت أن المنهج الصحيح يتطلب الحوار والتفاهم بشكل مستمر.
ولما كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد انعكست بتداعيات سلبية على العديد من المستويات، واستغلت من بعض الأطراف - مع الأسف - لترويج حملة دعائية تستهدف الإسلام وأمته وقضاياها، سارعت الرابطة إلى استباق الآثار السلبية الخطيرة التي بدأت تسفر عن تلك الحملة المغرضة، معتبرة أن من الضرورة القيام بما تقتضيه هذه المرحلة الحرجة من تكثيف جهود الحوار المباشر مع الجهات ذات التأثير في الرأي العام العالمي، فأرسلت وفداً إسلامياً عالمياً إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعددا من الدول الأوربية؛ منها فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وبريطانيا وألمانيا وروسيا.
وقد أجرى وفد الرابطة سلسلة من اللقاءات مع عدد من الشخصيات البارزة ومسؤولي المنظمات الدينية والثقافية والإعلامية في أوروبا وأمريكا، وبعض الجهات الرسمية، من أجل بيان الموقف الصحيح للإسلام الذي تسير عليه الرابطة والمنظمات الإسلامية المتعاونة معها، من القضايا المثارة، والرد على الشبهات التي تسببت في إشكالات عديدة أثرت على العلاقات بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، والتخفيف من حدة التوتر التي شجعتها بعض وسائل الإعلام المغرضة المتحيزة، وتأكيد أهمية بناء علاقات حسنة بين الشعوب والمنظمات الإسلامية وبين غير المسلمين، على أسس ثابتة تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون في خدمة المصالح المشتركة التي أصبحت كثيرة وملحة وفي مقدمتها السلم والأمن والتعايش والتصدي لخطر العنف والإرهاب والمخدرات.
ودعت الرابطة إلى إيجاد برامج مشتركة بين المسلمين وبين غيرهم ممن يحرص على مد جسور الحوار والتواصل بين الشرق والغرب.
وتم توضيح حقائق الإسلام، وشرح نظرته في العلاقات الإنسانية، والتعاون بين الشعوب الإسلامية وغيرها، وإزالة الشبهات التي تثيرها الجهات المعادية للإنسانية.
ومن أبرز أهداف ما قامت به الرابطة في رحلتها عبر القارتين الأوروبية والأمريكية، تغيير الصورة النمطية السلبية عن الإسلام والمسلمين، والتي تسود في العديد من الأوساط الإعلامية الغربية، ومناقشة أسباب الحملة الإعلامية التي تشنها بعض الأقلام على الإسلام والمسلمين، وإقامة العلاقات الجادة المثمرة مع مختلف المنظمات الحضارية في شتى أنحاء العالم.
وتأتي هذه المساعي من الرابطة في إطار ما تحمله من رسالة مفتوحة للعالم، تبين من خلالها أهمية التعاون وتحقيق العدل والاستقرار للشعوب، على أساس رسالة الله الخاتمة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107).
والتعريف بأن الإسلام دين منفتح على أتباع الأديان جميعاً، حيث شرع الله الحوار معهم بالكلمة الطيبة: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (العنكبوت: 46)، {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل:125).
وإن من بدهيات ما تقتضيه الموضوعية العلمية أن يتعرف الناس على الإسلام من مصادره الصحيحة، وألا يعتمدوا على مراجع تأثرت بسوابق تاريخية، كرست في بعض الأذهان نظرة يغلب عليها التحامل، وتفتقر إلى الأمانة العلمية في نقل الحقائق التاريخية عن الإسلام.
وجاء هذا العمل في سياق برنامج الرابطة في أن الحوار مسألة جوهرية ومحورية في حياة الأمم والشعوب، وأنها بحكم كونها أكبر المنظمات الإسلامية غير الحكومية، تهتم بالحوار البناء والمثمر، وتبدي استعدادها للتعاون مع الجهات المختلفة في معالجة المشكلات التي تنشأ عن سوء الفهم.
معالجة المشكلة
وتتلخص رؤية رابطة العالم الإسلامي في معالجة المشكلة الإرهابية، والكلام لمعالي د. عبدالله التركي من خلال ما يلي:
1- علاج أسباب الإرهاب:
يعتبر تشخيص أسباب الإرهاب تشخيصاً موضوعياً نزيهاً، خطوة أولى في طريق العلاج السليم لهذه الظاهرة.
وترى رابطة العالم الإسلامي أن من الضرورة بمكان الوصول إلى تعاون حقيقي وصادق من قبل المجتمع الدولي، ممثلاً في دوله وهيئاته ومنظماته، لرفع المظالم وإنهاء احتلال الأراضي بالقوة، إذ القهر والظلم يوفران بيئة خصبة لردود أفعال عنيفة لا يمكن السيطرة على نتائجها، على حين يكون في إقامة العدل وردّ الحقوق إلى أصحابها بصورة من الشمولية والمساواة، قطع لكثير من أسباب الإرهاب والإرهاب المضاد، ووقف لدواعي انتشاره.
ومن أهم ما ينبغي على المجتمع الدولي تكثيف الجهود لحل القضية الفلسطينية على الأسس الدولية العادلة التي تحفظ للشعب الفلسطيني حريته وكرامته واستقلاله، ولاسيما وأنها قضية بقيت على مدار عقود جرحاً نازفاً يهز مشاعر الملايين من المسلمين.
وللتغلب على المشكلات الدولية العالقة ينبغي مراجعة أعمال المنظمات الدولية، لتسهم إسهاماً إيجابياً ومؤثراً في إرساء السلام العالمي وحل المشكلات الدولية وفي مقدمتها مشكلة الإرهاب.
2- تشجيع الحوار الحضاري:
وينبغي تشجيع الحوار الحضاري، ودعم القوى المعتدلة الداعية إليه إيماناً منها بكونه وسيلة مهمة وسلمية لفض المنازعات، وفتح المجال أمامها لمخاطبة الرأي العام في مواجهة القوى المتطرفة، الداعية إلى العنف وصراع الحضارات بديلاً للحوار والتفاهم.
وفي هذا الصدد ينبغي العمل على إيقاف الحملات الإعلامية المتطرفة في وصف الإسلام بالإرهاب، فمواقفه في تجريم العمليات الإرهابية واضح وقاطع، وقد استنكرت الدول والمنظمات والهيئات الإسلامية مختلف الممارسات الإرهابية التي تورط فيها بعض من أبناء المسلمين.
وتلفت الرابطة الأنظار إلى ضرورة السعي على المستوى الدولي والإقليمي، لمحاصرة ثقافة العنف التي تتبارى وسائل الإعلام في نشرها، فضلاً عن أدوات الترفيه الإلكترونية وغيرها، إذ طبعت هذه التقنيات العديد من المجتمعات البشرية بطابع العنف، فصار سمة من سمات أجيالها الناشئة.
وتدعو في المقابل وسائل الإعلام لإبراز المثل الإنسانية، وإعادة غرس القيم والمبادئ الخلقية السامية التي تهيئ مناخ التعايش السلمي بين شعوب العالم.
وتنظر الرابطة بكثير من الأمل في القضاء على هذه الظاهرة أو الحد من آثارها إلى الجهود التي تبذلها مراكز البحوث والعلماء والعقلاء في العالم، إذ إن توعية الشعوب ورفع مستوى ثقافتها وتحصين الشباب من الأفكار المتطرفة كفيل بمحاصرة الإرهاب وتجفيف منابعه.
3- الاتفاق على تعريف موحد للإرهاب:
وترى الرابطة أن حل مشكلة الإرهاب لا يمكن أن يتحقق دون الاتفاق على تعريف عالمي موحد له، يفرق بين صوره الحقيقية التي يجمع العالم على تجريمها ومكافحتها، وبين صور الكفاح المشروع الذي تتبناه شعوب مستضعفة مسلوبة الحقوق، وبهذا يمكن الوصول إلى تعاون عالمي حقيقي لعلاج هذه الظاهرة والقضاء عليها.
4- الكفّ عن ممارسة الضغط على التوجه الإسلامي:
تابعت الرابطة بقلق ما يحدث من البعض من تحامل على المسلمين ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب بهم، وبمؤسساتهم الإسلامية.
وبهذا الصدد توضح الرابطة أمرين:
الأول: مبدأ «لا تزر وازرة وزر أخرى»:
وهو مبدأ عالمي في مجال تحمّل مسؤولية الأفعال، قررته شريعتنا الإسلامية، يقول الله تعالى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (الأنعام: 164).
فلا يؤاخذ أحد بجريرة غيره، إذا لم يكن شريكاً ولا مساعداً ولا محرضاً.
الثاني: الدول ليست مسؤولة عن أفعال رعاياها:
لا يخفى على كل من له إلمام بمجال العلاقات بين الدول في العصر الحاضر، أنه لا تتحمل أي دولة من الدول مسؤولية ما يصدر عن أحد من رعاياها من أفعال إجرامية، طالما لم يثبت عليها اشتراك أو دعم أو توجيه للقيام بتلك الأفعال.
5- حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال:
مما يدعو إلى العجب حقاً أن تظل بعض مؤسسات الإعلام العالمية تكرس تعصباً وتحاملاً لا يليق بالنزاهة والموضوعية والحياد في الرسالة الإعلامية، بحيث تعتبر الكفاح والمقاومة من الشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال في مواجهة المحتل، أعمالاً إرهابية وأصحابها شخصيات إرهابية، وهذا من شأنه أن يستدعي النقد الشديد لهذه المؤسسات والتأكيد على مشروعية الكفاح من أجل التحرر وتقرير المصير.
ومعروف أن الدول التي أسهمت في إنشاء المنظمات الدولية والمؤسسات الأمنية والسياسية والقضائية التابعة لها، لم تتردد إبان الحرب العالمية الثانية في إعلان مقاومة الخطر النازي الداهم، والتضامن في مواجهته بشتى الوسائل الحربية والدعائية والسياسية.
وتؤكد الرابطة على حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في الدفاع عن نفسها، ورد العدوان الواقع عليها، انطلاقاً من المقررات الدولية التي تؤيدها الشريعة الغراء في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ} (الشورى: 39)، وفي قوله تعالى: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الشورى: 41- 42).
ونص القانون الدولي العام على مشروعية الكفاح ضد الاحتلال الأجنبي، وتحرير الأوطان منه، وحق الشعوب في تقرير مصيرها في عدة قرارات، منها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (1514) لعام 1960م. والذي تم تأكيده بالقرار رقم (2649) لعام1970م، ثم بالقرار رقم (3787) لعام 1971م.كما جاء في القرار رقم (3103) لعام 1973م أن استمرار الاستعمار في جميع أشكاله ومظاهره جريمة دولية، وأن للشعوب المستعمرة حقاً طبيعياً في النضال بكل الوسائل ضد الدول الاستعمارية والسيطرة الأجنبية.
برنامج المستقبل
ويشير معالي الدكتور عبدالله التركي أن الرابطة منظمة إسلامية شعبية عالمية، وانطلاقاً من هذا التعريف فإنها تقوم بأعمالها وتعد برامجها على نطاق يتجاوز حدود العالم الإسلامي ليشمل الأقليات المسلمة المنتشرة في أوروبا والأمريكيتين وأستراليا وشرق وجنوب آسيا وجنوب أفريقيا.
وتتواصل من خلال مكاتبها والمؤسسات التابعة لها، مع الجهات الرسمية وبعض منظمات المجتمع المدني للدول غير الإسلامية، وتنسق جهودها مع الحكومات والمنظمات الإسلامية الأخرى، من أجل تحقيق ما يمكن من التفاهم والتعاون في حل المشكلات الإسلامية من غير تحيز لجهة بعينها، ومن غير تدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، بل تسلك دائماً مسالك الحوار للمقاربة بين المواقف والرؤى، والتوسط للمصالحة.
وبحكم الصفة العالمية للرابطة وكونها أكبر منظمة إسلامية شعبية، فإنها قد وضعت برنامجاً استراتيجياً مبدئياً للإسهام في معالجة الظاهرة الإرهابية على وجه خاص، وتوفير أجواء التفاهم والتعاون والوئام في داخل العالم الإسلامي، وبناء علاقات دولية ترتكز على أسس من العدالة والحرية والتعايش السلمي بين الحضارات المختلفة، وذلك في المجالات التالية:
العالم الإسلامي
مشيراً إلى أنّ الرابطة تتجه برسالة إعلامية ثقافية مفتوحة إلى الشعوب المسلمة لرسم معالم الشخصية المسلمة المتوزانة المعتدلة المتوسطة بين نزعتي الإفراط والتفريط، وتبصير الناس بأن هذه الشخصية هي التي ينشدها الإسلام في أبنائه من خلال النصوص الدينية التربوية، ويحذر مما يخالفها من أشكال الغلو والتطرف في التدين والتعامل والمواقف.
وتستعمل الرابطة وسائلها الإعلامية والوسائل الأخرى التي تتاح لها، لإيصال خطابها الموجه إلى العالم الإسلامي لتنفيذ هذا البرنامج الذي يستهدف مرحلة مهمة من مراحل العمل على توحيد الرؤية في العالم الإسلامي، وإزالة ما يعوقها من أسباب الخلاف والخصام التي تنشأ بين الحكومات أو بينها وبين شعوبها أو بينها وبين المنظمات والهيئات المستقلة.
وفي برنامج الرابطة الذي أعدته لغرض معالجة العنف وما يتولد عنه من المسالك الإرهابية، إعداد سلسلة من الكتب المناسبة لبحث الموضوعات التي وقع اختلال في مفاهيمها وموضوعاتها الجزئية التفصيلية، كالجهاد والولاء والبراء وضوابط العلاقة بين المسلمين وبين غيرهم، وحقوق ولاة الأمر، ونحو ذلك.
وترى الرابطة أن هناك صلة وطيدة بين معالجة مسالك العنف في الفكر داخل المجتمع الإسلامي، وبين ظواهر أخرى ينبغي التصدي لها ووقاية المجتمعات المسلمة من شرورها، ومن أبرزها موجة العولمة الثقافية التي تهدد كيان الأسرة، وتشكل خطراً على المرأة والشباب بوجه خاص. وحملات تنصير المسلمين التي تستغل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن الكوارث والحروب والفتن والأزمات.
ولدى الرابطة برنامج للدول الإسلامية ينطلق من زيارة وفد من كبار الشخصيات الإسلامية في مجالس الرابطة للدول الإسلامية، ومقابلة ملوكها وأمرائها ورؤسائها، وكبار المسؤولين فيها، وخاصة في مجال التربية والإعلام والثقافة، والشؤون الاجتماعية والدينية، وعقد ندوات ولقاءات مع المتخصصين فيها، وذلك للاستماع لرؤى الجميع حول الإرهاب والتطرف، وحماية المجتمعات منه وبخاصة الشباب، ونقل تصور الرابطة ومجالسها وهيئاتها في ذلك، والاتفاق على برامج تعاونية محددة في ذلك، وقد بدأ بالمملكة العربية السعودية، ثم المملكة الأردنية الهاشمية، وهو مستمر في ذلك لدول العالم الإسلامي الأخرى.
الأقليات المسلمة
وقال د. التركي لم يكن حضور رابطة العالم الإسلامي أمراً جديداً ولا طارئاً على الجاليات المسلمة المتزايدة في المجتمعات الغربية، ومتابعة قضاياها ومشكلاتها، وخاصة تلك التي تتعلق بحفظ هويتها الدينية.
وتدرك الرابطة أن تحسين وضع الأقليات بالتغلب على المشكلات الأسرية والاجتماعية، ووضع خطط وبرامج لتوعيتها بآليات الموازنة بين المحافظة على الهوية الدينية، وأهمية الانسجام مع المحيط العام الذي تعيش فيه، وأنه السبيل الذي يقي من مزالق المصادمة والقطيعة والتصرفات الطائشة التي تتسبب في تكوين نظرة سلبية عن الإسلام لدى بعض الغربيين، من خلال ممارسات بعض المسلمين المقيمين بين أظهرهم.
وتدرك الرابطة أن ذلك لا يتم إلا من خلال التعاون والتنسيق بين المؤسسات الإسلامية الأهلية لدى تلك الأقليات، وتطوير أدائها عبر تكوين مجالس واتحادات تستوعب ما سبقها من التجمعات التقليدية القائمة على أسس عرقية أو مذهبية، وتكون أدق تنظيماً وأقدر على التواصل مع الجاليات المسلمة المنحدرة من جنسيات متعددة، وفتح نوافذ الحوار والتفاعل مع الآخرين من المؤسسات الرسمية والشعبية المحلية، وتعريفها بحقائق الإسلام ومبادئه وقيمه وكشف الشبهات التي تثار حوله.
العلاقات مع الآخرين
وأكّد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أن الرابطة وضعت مسألة العلاقات بين المسلمين وبين غيرهم، في أولويات أعمالها في الحاضر والمستقبل، مدركة أن هناك مجالاً واسعاً لجعل هذه العلاقات مثمرة وإيجابية بما يكفل للجميع تعايشاً يسوده السلم والأمن والتفاهم والتعاون، وأن هذا المجال لا يمكن تخصيبه إلا من خلال مد جسور من الحوار البناء الجاد والهادف.
وتؤكد الرابطة في خطابها بهذا الخصوص على أهمية توفير الشروط الموضوعية لنجاح الحوار الذي تدعو إليه، ومن أهمها الاعتراف بالإسلام ديناً قيماً يحمل قيماً سامية لهداية البشرية، والارتقاء بها نحو الفضيلة والمثل العليا، وأن رسالته رسالة رحمة كما قال رب العزة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107) وقال رسول الهدى: «إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة». واعتبار التاريخ الإسلامي تاريخاً حضارياً قدم للعالم منجزات معتبرة، كما اعترف بذلك العديد من المؤرخين والباحثين المنصفين، وأن القيم التي قامت عليها حضارة الإسلام، لم تزل محفوظة في المخزون الثقافي والتراثي للأمة ممثلة خصائصها الحضارية، ومعرفة بشخصيتها العالمية. والاعتراف بالإسلام وحضارته سيوفر جواً مفعماً بالقابلية للتفاهم وتوسيع نطاق المشترك للتعاون في خدمته.
المنظمات الإسلامية
وأوضح د. التركي إلى أنّ الرابطة تتابع باستمرار واهتمام ما يصدر من غيرها من المنظمات الإسلامية من أعمال إعلامية وفكرية، تعبرعن توجهاتها ومواقفها ونظرتها إلى الواقع الإسلامي وما يجد فيه من أحداث، وتأتي هذه المتابعة انطلاقاً من الهموم المشتركة التي تحملها المنظمات الإسلامية تجاه الإسلام وأمته وحضارته، وبخصوص الظاهرة الإرهابية التي أصبح لها صدى خاص، فقد رصدت الرابطة جهود غيرها في المعالجة والتقويم باهتمام متميز، ولاحظت أن هذه الجهود بدأت من إعلان الكثير من تلك المنظمات عن موقفها الرافض لهذه الظاهرة، واعتبارها عنصراً غريباً دخل على جسم الأمة المسلمة، وأن الفكر الذي تستند إليه وتتغذى منه لا يوجد له سلف يقتدى به عبر تاريخ الأمة الطويل ومبادئها التي سارت عليها على مدى ما يزيد على أربعة عشر قرناً، إلا ثلة من الفئات الغالية المتطرفة التي تقع على هامش السواد الأعظم من الجماعة المسلمة، والتي تصدى لها العلماء بأقلامهم وألسنتهم في القديم والحديث، محذرين من خطورة فكرها ومسالكها.
والرابطة- وإن لم تكن مسؤولة عن غيرها من المنظمات- إلا أن لها مركزاً مؤثراً بينها، مكنها من تكوين رأي شبه موحد حول قضايا العنف والتطرف والمسالك الإرهابية.
وتتصل الرابطة بغيرها من المنظمات، في تعزيز جهود التعاون في هذا المجال، من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي التي ترأس فيها الرابطة لجنة التنسيق بين الهيئات الإسلامية غير الحكومية، ومن خلال العمل المشترك مع العديد منها، كالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، ورابطة الجامعات الإسلامية، والعديد من المراكز والمؤسسات الإسلامية في الخارج، ومن خلال الاتصال المباشر الذي يتم مع الشخصيات القيادية البارزة في الأمة الإسلامية، وما يتحقق فيه من تفاهم حول القضايا التي تتخذ منها الرابطة موقفاً واضحاً ومعلناً، ومنها قضية الإرهاب وسبل معالجته.