محمد المليص ">
لم يعد خافياً على أحد أن التوافق الدولي على إصدار قرار أممي بالإجماع بشأن الثورة السورية هو نتيجة الحقد الأعمى على الإسلام، ناسين أن الإسلام هو رسالة عدالة وسلام ومحبة بين الأمم، القرآن يقول: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}، وقول عمر بن الخطاب غني عن التعريف: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا». العدل لا تحدده داعش ولا الأنظمة، وإنما الثورة الشعبية التي تحتكم لصناديق الانتخابات في كتابة دستورها واختيار ممثليها ورئيسها.
نعم، هناك تخلف في العالم الإسلامي، وهناك جهل في فهم الإسلام، وهناك متطرفون، لكن لا يمكن أن يتم القضاء على التخلف وعلى الجهل وعلى المتطرفين، إلا من خلال تمكين الشعوب من اختيار ممثليها، حتى ولو فاز بعض متطرفيها، أليس المرشح الأمريكي الأوفر حظاً السيد ترامب هو متطرف دولي، وأنا واثق أن الديمقراطية سترميه في مزبلة التاريخ حتى ولو خدع الشعب الأمريكي وفاز لأربع سنوات؟ إن الديمقراطية هي بمثابة الكلور الذي يعقم الشعوب من كل الشوائب التي علقت فيها عبر التاريخ. وبدون إعطاء الشعوب الإسلامية هذه الفرصة، التي هي حقهم ولا منة فيها لأحد، فإن سارقي هذا الحق سيكوون بنار التطرف إلى أن يعود هذا الحق إلى أهله.
إن الحقد الأعمى عمى بصيرة الدول الكبرى ودفعها لارتكاب جريمة كبرى تاريخية بحق الشعب السوري وبحق الشرق الأوسط عموماً. هم لا يدركون أنهم دشنوا بذلك شرخاً كبيراً في الشرق الأوسط وفي العالم الإسلامي سيهز العالم عاجلاً أم آجلاً وإليكم الأسباب:
أولاً رغم اعترافنا بأن النظام السوري ليس هو الوحيد في العالم غير الشرعي والدكتاتوري، لكن أي نظام عندما يعجز عن حفظ السلم بين مواطنيه ويتجزأ شعبه إلى فرق متقاتلة، وبغض النظر عن الأسباب، وحتى لو أن النظام لم يطلق طلقة واحدة ضد أحد، فإن على هذا النظام أن يرحل فوراً حقناً للدماء.
فما بالك بنظام واجه المظاهرات السلمية بالرصاص الحي إلى أن حول الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة، واستدعى مليشيات طائفية من حول العالم، وبالمقابل وفد إلى سوريا داعش وغيرها، ثم شرعت الأبواب للدول الإقليمية والدولية للحرب بالوكالة فوق جثث الشعب السوري؟
الجريمة الدولية تبدأ منذ أن مكنت فرنسا، إبان احتلالها لسوريا، ثلة من الضباط العلويين كي يسيطورا على الجيش السوري بحجة أنهم يحمون المسيحيين في سوريا ولبنان، رغم أن نسبة العلويين حوالي عشرة بالمئة فقط، فزرعت فرنسا بذور الطائفية في الجيش السوري على حساب الغالبية.
تلقف حافظ الأسد فرصته الذهبية ليعلون الدولة وبحيث يصبح الجيش والمخابرات مزرعة علوية، ونشر الفساد عمداً لكي يشتري النفوس الضعيفة من السنة ومن غير السنة. فأصبحت سوريا بلد الرشاوي والفساد في كل قطاعات الدولة كي تبقى سوريا مزرعة علوية وإلى الأبد.
ولكي يضمن حافظ الأسد توريث الحكم لابنه، حاول أن يرضي أمريكا رغم أن النظام مرتبط ارتباطاً استراتيجياً مع روسيا لحماية الحكم. وبذلك ضمن توريث الحكم وبمباركة أمريكية، فكانت الجريمة الثانية بحق الشعب السوري، حيث عملية التوريث أهانت الشعب السوري وأهانت برلمانه الذي فرض عليه أن يغير الدستور خلال ساعات ليصبح على مقاس البسطار العلوي الذي ورثه حافظ الأسد. وهكذا القنبلة الطائفية التي دشنها حافظ الأسد وبمباركة الدول الكبرى بدأت تتضخم إلى أن انفجرت ودمرت سوريا.
والجريمة الثالثة هي عندما استغلت إيران القنبلة الطائفية التي دشنها حافظ الأسد وطورها ابنه بشار الأسد، ودخلت ومعها حزب الله ومليشياتها الطائفية على الخط كي تكون الضامن للمزرعة العلوية في سوريا.
ما أن انطلقت شرارة الربيع العربي، حتى انفجرت القنبلة الطائفية في سوريا، وكانت الأيام الأولى فرصة ذهبية للعلويين لكي يسلموا الحكم بالتي هي أحسن وبأقل الخسائر من خلال نقل مهام الرئيس إلى نائب الرئيس السيد فاروق الشرع الذي هو سني وبعثي وابن النظام، وبذلك يتم تنفيس الاحتقان الشعبي ويتم تطوير النظام وإخضاعه إلى انتخابات حرة ونزيهة وبإشراف دولي لإنقاذ البلاد من الدمار، لكن الثلة العلوية الحاكمة تلقت ضمانات دولية كبيرة من روسيا وإيران وحتى ضوء أخضر من أمريكا بحجة الأقليات، وهذا ما دفع الثلة العلوية الحاكمة لأن تنتهج أسلوب مجازر حماة، ناسين أن الشعب بغالبيته ينتفض الآن وليس فقط الإخوان كما كان الحال في الثمانينيات.
الجريمة الرابعة هي عندما سمحت أمريكا، التي تتزعم العالم، لروسيا ولإيران أن تتبلطجا على الشعب السوري. الحقيقة المرة هي أن أمريكا كانت تهدف لدمار سوريا خدمة لإسرائيل، وإن روسيا التقطت الإشارات الأمريكية فاحتلت سوريا في وضح النهار، طمأنت أمريكا من خلال تنسيقها مع إسرائيل، وتم الإتفاق الأممي الهادف إلى دفن الثورة السورية وتحويلها إلى مشكلة داعش والمتطرفين، متناسين أن هناك ثورة شعب تم الغدر بها فجاء التطرف.
لا شك أنه بإمكان أمريكا وروسيا أن يدمروا مؤقتاً أي ثورة في العالم، لكن بالتأكيد لن يستطيعوا أن يفعلوا ذلك على المدى الطويل.
إن للثورة السورية عمقا عربيا وإسلاميا وإنسانيا. إن ثورة الشعب السوري هي ثورة مليار ونصف المليار مسلم الذين وعوا أن الحقد الأعمى على الإسلام هو الذي دفع السيد لافروف لكي يصرح منذ بداية الثورة بأنه لن يسمح للسنة أن يحكموا سوريا، متناسياً ان السنة هم 75% من سكان سوريا.
وإن الحقد الأعمى هو الذي دفع أمريكا لحصار الثوار في سوريا وبدون أن تميز بين بعض المتطرفين وبين عامة الشعب السوري المنتفض. إن هدف أمريكا أن يضعف السنة من خلال قتلهم وتهجيرهم من أجل أن تبقى سوريا للأقليات، بينما داخل أمريكا، الرئيس الأكثر شعبية، السيد ترامب، يريد أن يهجر الأقليات في أمريكا. أي تناقض وأي جريمة تلك.
إن الحقد الأعمى على الإسلام أمريكياً وروسيا، خلق بيئة حاضنة للمتطرفين، فتعقدت الثورة السورية أكثر، وهذا ما سيؤثر على كل العالم. إن كبت أي ثورة، سيؤدي إلى تكاثر المتطرفين كما يتكاثر الجراد، بينما العدل وإنصاف الشعب الثائر والوقوف إلى جانبه ينهي وجود التطرف، ويؤسس لدولة القانون التي تحترم كل أطياف المجتمع.
إن أمريكا وروسيا أرادا أن يسرقا سوريا لتكون حكراً على الأقليات بقيادة علوية خدمة لإسرائيل، لكنهما وصلا إلى طريق مسدود لأنهما حرضا مليار ونصف المليار مسلم للوقوف خلف الثورة السورية، والأيام والسنوات، بل والعقود القادمة ستبرهن للعالم أن الحقد الروسي والأمريكي على الإسلام سبب ثورة عالمية في أصقاع الأرض ضد البلطجة والصفقات المافيوية بين الدول الكبرى على حساب الشعوب. وإن غداً لناظره قريب.
- كندا