ناهد باشطح
يقول آرثر سالزبورجر Arthur Salzburger مؤسس صحيفة نيويورك تايمز New York Times «أعطِ أي إنسان معلومات صحيحة ثم اتركه وشأنه، ربما تجعله مُعَرَّضاً للخطأ في رأيه لبعض الوقت ولكن فرصة الصواب سوف تظل في يده إلى الأبد.
لكن أن تحجب المعلومات الصحيحة عن أي إنسان أو تقدمها إليه مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعاية والزيف فإنها تدمر كل جهاز تفكيره وتنزل به إلى ما دون مستوى الإنسان».
المعلومات الصحيحة ضرورة ملحة في أي من وسائل النشر والإعلام ولعلها تصبح أكثر خطورة إذا ما كان الجمهور بسيطاً معتمداً على المرسل كمصدر مثلما لمسته مؤخراً في المحاضرة التي ألقتها عضو مجلس الشورى الدكتورة نورة «العدوان» والتي كانت صادمة في تفسيرها للمصطلحات المعاصرة في قضايا المرأة على الأقل لمهتمة مثلي في قضايا المرأة في الإعلام.
محاضرتها التي عنونتها بـ»المصطلحات المعاصرة في قضايا المرأة» والتي ألقتها مؤخراً في مركز الأمير سلمان الاجتماعي هي عبارة عن سلسلة من المعلومات المجتزئة لصالح أيدولوجيا حادة تجاه مستقبل المرأة المعاصرة.
بدأت «العدوان» محاضرتها بتعريف المرأة المعاصرة بأنها من تعيش هذا العصر, وأوضحت أن سبب اختيارها لعنوان المحاضرة أن المصطلحات التي حددتها مثل (التمكين، الجندر والعنف تجاه المرأة) لم تعد مصطلحات بل تحولت إلى تشريعات وسياسات عالمية، وأن هذه المصطلحات جزء من واقعنا وتهدف إلى تغيير التشريعات في قوانين الأسرة في العالم الإسلامي.
هذه البداية توحي بأن المحاضرة سترتكز على مفهوم التغريب الذي لم يمل المنادون بحقوق المرأة من زاوية الأعراف التقليدية منه متجاهلين أن الإسلام في تطبيقاته الصحيحة هو الأولى بالتركيز عليه عوضا عن الدفاع عنه.
فكرة تغريب المرأة والخطابية في إرسالها للمتلقي تغري البسطاء، ولذا ربما كان من الطبيعي أن يكون جمهور الحاضرات من النساء البسيطات في إدراك المعنى الحقيقي لحقوق المرأة المشروعة بدون تلوث تجزئة النصوص
أو هن ما يطلق عليه «الجمهور الحساس» الذي يتقبل الرسالة الإعلامية كيفما جاءت لخطاب المرسل العاطفي، كما حوت الصفوف الأمامية نساء يعبرن بإعجاب عن حديث «العدوان» حتى قبل أن تتحدث!!
لكن اللافت أن الصفوف الخلفية كان بها ثلاث فتيات في مقتبل العمر كنت اسمع اعتراضهن على الأفكار التي قامت «العدوان» بعرضها في تلك المحاضرة.
بدأت «د. نورة العدوان» بعرض أول المصطلحات المعاصرة وهو التمكين, حيث أشارت إلى أن من عيوب مصطلح التمكين أنه عزل ثقافة المرأة عن اهتماماته, وقالت «التمكين مصطلح دولي جاءت فيه سياقات معينة ينظر إليها أنها تصلح للمرأة في كل البيئات، أنا مسلمة عندي تراث كبير، هل ألغي المرجعية والشرعية والأحكام الخاصة بالمرأة وتستبدل بأحكام دولية وضعية».
وبالرغم من أن «العدوان» استطاعت أن تقدم معلومة صحيحة عن مصطلح التمكين بترجمته من الإنجليزية إلى العربية، وعرجت على شرح مفردة الاستقواء، إلا أنها عادت لتركز على فهم الغرب للمصطلح وتشريعاته ومنعهم المرأة من الإنجاب في مقارنة مستمرة مع التشريعات الإسلامية وفي خطاب تقليدي يشير إلى التغريب وليس التفنيد واختلاف ثقافة الغرب عن ثقافتنا دون إصدار الأحكام.
ثم انتقلت «العدوان» إلى الحديث عن حقوق المرأة في الإسلام لتركز على معاناة المرأة العاملة في مجتمعنا.
وبدلا من التركيز على العمل عن بعد أو العمل الجزئي الذي أشارت إلى أهمية تطبيقهما كحلول للضغوط النفسية التي تعاني منها المرأة العاملة من وجهة نظرها، نجدها تركز على الضريبة التي تدفعها النساء حين يخرجن للعمل!
هذه الضريبة معروفة وحلها يكمن في تسهيل بيئة العمل التي تعمل فيها المرأة، وليس إشاعة خطاب تقليدي بسلبيات عمل المرأة في وقت وعي المجتمع بأهمية دورها وتفعيل الدولة لمؤسسات تحفز المرأة للعمل وتدعم مشاريعها الاستثمارية.
وفي ذلك تقول «العدوان»: «النساء اللي يطلعون للعمل يطلعون تعبانين عندنا تعدد أدوار، تمكين المرأة الاقتصادي أن الرجل ينفق عليها، وهذا غير التمكين الاجتماعي», ثم تشير إلى صندوق النفقة دون إيضاح أنه مخصص لمتابعة الممتنعين والمماطلين لدفع نفقة المطلقات وأبنائهن!!
ولا يعتبر جزء من التمكين الاقتصادي للمرأة !!
والسؤال ما الذي تريده المحاضِرة من الإشارة إلى صعوبات المرأة في العمل خارج المنزل مع عدم جهلها وهي عضو مجلس الشورى بارتفاع بطالة النساء لدينا حسب إحصاءات وزارة العمل التي تتراوح مابين 23 و34% من قوة العمل النسائية، على الرغم من ارتفاع نسبة السعوديات الخريجات الجامعيات، بينما الرجال نسبة البطالة لديهم 6.2%، مع أن المرأة أصبحت تشارك في الإنفاق على الأسرة.
مثلما ذكرت « العدوان» في نهاية محاضرتها لتؤكد تناقض الطرح.
الذي يعرفنه ابسط النساء اليوم أن ثقافة المجتمع تجاه عمل المرأة تغيرت، حيث تزايد إقبال الفتيات وذويهم وأزواجهم على عمل المرأة في القطاع الخاص بدليل نجاح عمل النساء في محلات «السوبر ماريكت» وفي قطاعات مختلفة في ظل ارتفاع نسبة المبتعثات من الإناث قياسا إلى المبتعثين حتى وصلت وفق تقرير حديث لوزارة التعليم العالي 2013 إلى 35%!!
فهل كانت الدولة تبتعث الفتيات حتى لا يساهمن في سوق العمل ؟
هل تتجاهل «العدوان» أن الرجال حاليا أصبحوا يدعمون النساء للتعليم والعمل وأصبح طالب الزواج يفضل أن تكون زوجته امرأة عاملة ليتقاسم مها الشراكة المادية في مؤسسة الزواج ؟
وما نلبث أن نسترجع أنفاسنا حتى تصدمنا «العدوان» بالحديث عن تاريخ النسوية فتبدأه قائلة:
«النسويات في الغرب هن شاذات ضد الرجل»
وهي بذلك تخلط بين المعلومة والرأي حيث إنه لا يمكن وصف النسويات في الغرب بالشاذات وربما تقصد الراديكاليات منهن لانتشار أفكارهن، غير أنهن استطعن عبر تاريخ طويل أن يحققن للمرأة حقوقها التي طالبن بها ولا يزلن، وهذا بمعزل عن اتفاقنا أو اعتراضنا على نوعية تلك الحقوق ومناسبتها لثقافة مجتمعنا أو حتى المجتمعات العربية.
مشكلة «العدوان» في محاضرتها أنها وقعت تحت وطأة نظرية المؤامرة فجاءت محاضرتها دفاعية عن تعاليم الدين الإسلامي دون حاجة لذلك في المحاضرة، وخطابية في التمسك بما لا يتفق مع الدين أحيانا وإنما مع الأعراف الاجتماعية.
فحين تقول «يبغون المرأة تتخلص من الإنجاب لأنه عائق»
كان عليها أن توضح في أي مرحلة من مراحل النسوية وأي من النسويات ينادين بذلك كمعلومة مرتبطة بمصطلح التمكين والجندر، إنما في معلومتها تلك توحي للمتلقيات أن النسويات الغرب ضد الإنجاب بينما الصحيح أنهن يدعون إلى استقلال المرأة بقرار الإنجاب.
ثانيا الجندر
عندما بدأت «العدوان» في تعريف الجندر قدمت المعلومات العلمية بشكل عابر مثل أن بدايات المصطلح كان في الستينات بينما كان كل تركيزها إيضاح أن الجندر مصطلح ينافي الدين ولذلك عرفته قائلة هو «فلسفة التماثل التام بين الرجال والنساء»
وما فتئت تعرج على المقارنة بين نظرة الإسلام التكاملية للرجل والمرأة وبين الصراع بينهما في مصطلح التمكين.
وبنمطية واضحة تقول «العدوان» «أساس الحياة أن المرأة تكون أسرة إذا ربت أولادها وصار عندها وقت ذيك الساعة ممكن تطلع تشتغل»
والسؤال ماذا عن التمكين الاقتصادي؟
كيف سيتحقق للمرأة إذا ما جعلناها مرتبطة بالرجل كعائل وما العمل إذا فقدت العائل ؟
لا تهتم «العدوان» إلا بإرسال رسالة تلو الأخرى إلى الحاضرات بأن عمل المرأة نكبة عليها، فتورد دراسة قامت بها لتأكيد أن الضغوط النفسية والاجتماعية هي بسبب تعدد الأدوار وخروج المرأة للعمل.
بدلا من الاهتمام بحل مشكلات المرأة العاملة واقتراح توصيات لمساعدتها على أداء دورها في تنمية المجتمع خاصة وهي عضو في لجنة الشورى وسيرتها الذاتية حافلة بالعمل والمشاركة في المؤتمرات في الداخل والخارج !!
وفي ذات السياق للصوت التقليدي -الذي تجاوزه معظم الشابات السعوديات اللواتي يقبلن على العمل في القطاع العام أو الخاص- والذي ينادي بأن سعادة المرأة في الزواج والإنجاب فقط تستمر «العدوان» في إيراد المثال تلو الآخر متناسية بأن هناك عددا من الفتيات لم يكتب لهن الزواج فلم يتزوجن وأخريات لم ينجبن وهن متنعمات في حياة ملؤها العطاء لأنفسهن وللمجتمع.
تقول «العدوان» «سعادة المرأة في تكوين الأسرة والزواج المبكر أفضل للتوافق وضمان الإنجاب»
«لازم نزيد الإنجاب حتى لا نصل للإحلال «
وبقدر اتفاقي معها على أهمية تكوين الأسرة إلا أنها لا تمنع المرأة من المشاركة التنموية في المجتمع.
لكأن الزمن توقف بنا قبل عشرات السنين حتى ننادي بالزواج المبكر الذي لم نستطع حتى الآن تحديد العمر الذي يمكن أن يلتزم به المجتمع في انتهاكه لعمر الفتيات القصر حتى بعد أن صار تزويج الفتاة القاصر يتم وفق أساليب مقننة.
لكأن «العدوان» لا تعيش قضايا هذا المجتمع وتعرف أسباب الطلاق المبكر لدينا وتأثير الزواج المبكر على الجنسين إذا لم يصلا إلى مرحلة من النضج والاستقرار النفسي.
وتستمر «العدوان» في التركيز على أهمية الزواج كهدف للفتيات، وتورد استطلاعا عن أمنيات الفتيات العربيات وتسخر أن أمنية الفتاة الخليجية أن تجد وظيفة بينما أمنية العربيات تكوين أسرة.
ما هو هدف الاستطلاع ما هي تفاصيله؟
لا نعلم المهم أنها قالت النتيجة بأن «بناتنا ما عندهم وضوح في الرؤية»
وكأنها بعيدة عن اختلاف الأدوار للجنسين حيث أصبحت المرأة تشارك في البيت
تردد نورة العمل مهم ولكن الأسرة أولا
ولا نعرف لماذا لا يكونان جنبا إلى جنب على الأقل وهي نموذج لذلك!
ثم تنتقل «العدوان» إلى المصطلح الثاني وهو الجندر فتقول «الجندر حسب يوكيبيديا هو إلغاء الفروق البيولوجية»
هكذا فقط تعرف مصطلح الجندر، أن اجتزاء المعلومات كاجتزاء النصوص يساهم في ثقافة الإقصاء ويعزز الرأي الأحادي، أو كما يشير د. محمد الجابري في تحليله للعلاقة بين العلم والأيدلوجيا, حيث يمكن فك الاشتباك بين العلم كجملة معارف وبين الأيدلوجيا كجملة آراء في حال كان المنهج يصل إلى الحقيقة العلمية بدعامتيها: الموضوعية وإمكانية التحقق.
لكن هل كان للعدوان منهجية موضوعية في اجتزائها للمعلومات ؟
عند استعراض أدوار المرأة حسب الجندر قالت «العدوان»
-الإنجابي
-الإنتاجي خارج الأسرة
-التنظيمي
وهنا نسفت كل ما قالته عن ضرورة مكوث المرأة في المنزل وأن العمل ليس من أولوياتها لتقول «عمل المرأة ضرورة وينقصنا في المملكة تشريعات لعمل المرأة عن بعد والنظام الجزئي»,
ثم تقول:
«في بلدنا مرتّب الرجل مثل المرأة في القطاع الحكومي يمكن القطاع الخاص الآن اختلف... الآن المرأة هي اللي تصرف الرجل لا يمارس الإسلام دورنا نحرر المرأة من الظلم ونطالب بحقوقها في الإسلام».
هذا التناقض في الطرح يمكن تفسيره بضعف القضية التي يتبناها المحاضِر عادة حيث تضيع منه بوصلة مراقبة أفكاره
ثم تنتقل «العدوان» إلى المصطلح الثالث وهو العنف ضد المرأة والذي لم تعطه حقه من الإيضاح ربما نتيجة لمداخلات الحاضرات من كبار السن اللواتي هن زائرات دائمات لمركز الأمير سلمان الاجتماعي حيث لم يسعف الوقت «د. نورة العدوان» أن تتحدث عن العنف تجاه المرأة بأكثر من إشارتها إلى أن الغرب يعتبرون «المهر واستئذان الرجل في الخروج عنف ضد المرأة».
ثم عادت في نهاية محاضرتها كما بدأتها للمناداة عن العمل عن بعد والعمل الجزئي للنساء.
لتنهي محاضرة لم تكن سوى تحذير من تغريب المرأة وجهود الغرب لإخراج المرأة من منزلها لتفقد دورها كزوجة وأم داخل الأسرة!
ولعلنا كنا في تلك المحاضرة نحتاج إلى باحثة في علم الاجتماع تشرح واقع تعدد الأدوار للجنسين في الحياة العصرية وليس داعية إسلامية تحذر من التغريب بعيدا عن واقع المجتمع.