د. خيرية السقاف
حين تعيث الفوضى بالنفوس والأذهان، وتضطرب مسالك الأفراد، ولا تنم تصرفاتهم عن اطمئنان، يتحركون كثيرًا، ويتكلمون ثرثرة، وتأتي ردود أفعالهم على غير ما يقره العقل، ويقبله المنطق..
عندها يقلقُ من حولهم، يسرعون سعيًا لعرضهم على الطبيب كي يفحص، ويدلي بخبراته، ويشخص العلة في أمرهم، ربما نقص في التغذية، أو اضطراب في الأعصاب، أو ارتفاع في الضغط، أو ضغوط نفسية، وعصبية، أو إحباط وفشل، أو قلة ذات اليد، أو شعور بالنقص، وما يندرج تحت قائمة استقراء الطبيب الذي يعالج في الإنسان أمراضه الجسمية، والنفسية، والعقلية التي غالبًا تكون الدافع لسلوكه بجزئياته، وأشكاله.
عندها يخضع الفرد من أولئك إن كان مرنا للفحوص الطبية، التي تجرها سلسلة من التكهنات حتى يستقر تشخيص «الحالة»، ومصدر «العلة»..!!
هذا الحال مع الفرد في بيته، وبين أسرته الصغيرة، وهو واحد من مجموعة هو يتصرف، وهم يلاحظون، هو يفعل، وهم يسعون لعلاجه، فأمره يقلقهم، وحاله لا يطمئنهم حتى يعود لسابق عهده سليم العافية..!
لكن كيف حين يكون على هذا الحال مجموعات من الناس، ليس في بيوتهم، بل في وسائل تواصلهم، ومجالس تلاقيهم، ووسائل محادثاتهم المختلفة، بل في وسائل الإعلام؟!
فترى من فوضاهم العجب، ومن انفلاتهم التعبيري العجاب،
فتذهب تتساءل: لماذا الناس اعتلوا فتغيرت مسالكهم، واختلت أساليب تعاملهم، وباتوا مضطربين، متسرعين، نمامين، يستسهلون الاجتراء على بعضهم، والاجتراح لبعضهم بالكلمة النابية، والجملة الجارحة، والتتبع المقيت، والإثارة غير المنضبطة..؟!
لماذا عم بين الناس سوء الخلق، وسوء التعامل، وسوء الظن..؟
لماذا ارتفعت نسبة الأحقاد، والتشفي، والغيرة، وفقد الذوق نبله ومروءته وحياءه..؟!
فالفرد حين يمارس العبث، والفوضى، والشتات فيما يقول ويكتب تحديدًا باجتراء عن الآخرين، ينم عن اضطرابه من جهةما الفرق بين مدرب الخبرة والدبرة والابرة، وعن عتمة في نفسه،
إنه بلا ريب قد لحق به المرض الذي يحتاج إلى طب، ودواء ليمكنه من الانضباط، ويكبحه عن العبث، ويحده عن فوضاه..!
والجماعات الذين يصخبون بعبثهم، وتجاوزهم، واضطراب مواقفهم، وباجترائهم، وتسطحهم، بما لا ينم عن التحلي بأدب المروءة، والاكتساء بسكينة الوعي، والتمثل بقيم الفضائل، هؤلاء وقد كثروا ويتكاثرون، ويتمادون ماذا ينبغي لهم من الدواء؟، ومن الذي سيطببهم..؟!
إن من يقرأ الذي يقولون، ويذهب ليجري مسحًا على ما يكتبه كل يوم عشرات الألوف في مواقع التواصل، وتحديدًا في الوسوم التي ينشئونها بين كل طرفة وأخرى من العين، سيجد الغثاء من الأمراض، بأكثر مما أتاحته في البدء رسائل الجوال التي حين استجدت وسيلتها بين الأيدي وبدأ معها تحلل الناس من كثير من القيم، والعادات الجميلة، ولغة التعبير المحكمة بآداب كانت الجذر والأساس في لغة التعبير، ولغة التعامل، والتفاعل مع الآخرين، ومع مستجدات الأمور.
سيخرج الباحثون الاجتماعيون، واللغويون التعبيريون، ومحللو البنى الفكرية والنفسية بمآت الدراسات، إن كان همهم إيجاد العلاج، بعد تشخيص الأدواء لحماية المجتمع من السطو على متانة أبنيته بهذا الطارئ من انفلات اللسان، وانبعاج النفوس.
إذ غلب المرضى الأصحاء بأدوائهم، وناكبوهم في نقاء فضائهم بأكثر مما ينبغي.