د. خالد محمد باطرفي
هناك لعنة صينية تقول: «عسى أن تعيش أوقاتا مثيرة!»، والمقصود حياة تزدحم بالمفاجآت والمنعطفات والأحداث المثيرة.
وإذا نظرنا إلى عامنا المنقضي، 2015م، سنكتشف أنه كان أشبه بمسرحية كل من فيها كتاب سيناريو وممثلون ومخرجون، عشنا فيه حياة مثيرة، (أكثر من اللازم)، تذكرني بحركة المرور في شوارع الهند، حيث الفوضى هي النظام.
ولكي نكون منصفين، فليس كل قضية ولدت من رحم العام، فأحداث سوريا والعراق ومصر وفلسطين ولبنان واليمن وليبيا بدأت في أعوام أسبق، إلا إنها في العام الماضي أصبحت أسرع وأسخن، وأكثر صعوبة وتعقيدا.
ولنبدأ بما يسمى «الربيع العربي»، الذي بدأ بانتحار متظاهر تونسي حرقا، عام 2010. فبعد خمسة أعوام من العواصف والمحن، يبدو أن العالم فقد صبره.
ففي ليبيا، توشك الفصائل المتحاربة على الارتطام بقاع الجحيم، والمجتمع الدولي يضاعف جهوده للوصول إلى اتفاق بينها، ونأمل أن يشهد العام الجديد إغلاق هذا الملف.
وفي تونس، استطاع العقلاء استعادة الاستقرار عندما وضع الإسلاميون والعلمانيون مصلحة بلادهم قبل كل اعتبار، فخرجت حكومة متفقة على مواجهة تحديات الأمن والاقتصاد والتنمية.
ومر اليمن بصراعات أهلية انتهت إلى حرب مدمرة، فالديكتاتور العقيد علي عبدالله صالح، لم يخرج من المشهد، كما كان مقدرا له، بل تموضع، وحالف الشيطان الفارسي وأذنابه لاستعادة السلطة التي أدمنها. مما أدى لقيادة المملكة لتحالف عربي، بمباركة دولية، لإعادة الشرعية، وإزالة آثار الانقلاب. ونأمل أن يشهد العام الجديد نهاية الحرب، وبداية التنمية، وعودة اليمن إلى بيت العرب.
والفلسطينيون جلسوا أخيرا على نفس الجانب من الطاولة، للتفاوض مع حكومة الاحتلال، بعد أن ضعف مفعول التدخل الإيراني ومال الجميع إلى منطق الحكمة السعودي. وإذا كان الإسرائيليون والأمريكان جادون هذه المرة، فقد تشهد عملية السلام عودة إلى مسارها، في 2016هـ.
لكن ليس جميع المسارات السريعة مبشرة، فالسودان الذي خرج من حرب أهلية دامت عقودا، وتمكن من فصل التوأمة بين شماله وجنوبه في عملية سلمية ديمقراطية انحدر في 2015 إلى حالة من التجاذب والتنازع بين الحكومتين.
وفي مصر، تراجعت الأحلام بنهاية الكابوس الاقتصادي والأمني، بتراجع النشاط الاقتصادي والسياحي، ودخول داعش على الخط.
أما في أم الأزمات، فمنذ أن قمع النظام السوري المظاهرات السلمية بالحديد والنار، أصبحت البلاد العنوان الأول لقوى الشر والظلام. فمن الحرس الثوري الإيراني، إلى حزب الله والمليشيات الشيعية، إلى داعش والقاعدة وأخواتهما. وأخيرا الدب الروسي الذي لم يبق ولم يذر.
وعندما طرقت تداعيات المأساة أبواب أوروبا وأمريكا، لاجئين وإرهابيين، استيقظ العالم فجأة، وقرر في 2015 إنهاء هذا الملف الخطر المريب. ومع تعدد التدخلات وتعقد التداخلات، يبدو أن الجميع أصبح مصرا على إغلاق هذا الملف ايضا في العام الجديد.
وفي العراق دخلت الحكومة الطائفية حربا على جميع الجبهات، فمن حرب على العشائر السنية، إلى حرب مع داعش، إلى حرب على الفساد. واليوم تشهد البلاد حربا معقدة، متعددة الأطراف الداخلية والخارجية.
وفي مواجهة كل هذه التقلبات والأعاصير تخرج القيادة السعودية بأكثر من مبادرة آخرها التحالف العسكري الإسلامي ضد الإرهاب، ومجالس التعاون مع مصر وتركيا، مع تنشيط غير مسبوق لأداء مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. ومع الدعاء والأمل دعونا نتفاءل بأن يشهد العام الجديد نهاية الصراعات في عالمنا العربي، وبداية حياة.. أقل إثارة!