فاطمة حماد البلوي
رغم أن نسبة كبيرة جداً من طلاب وطالبات الجامعة في السعودية لديهم وعي وإلمام بأهمية التحدث باللغة الإنجليزية في رفع فرصهم الوظيفية وتسهيل دراستهم الجامعية في تخصصات مختلفة سواء خارج المملكة أو داخلها، ولكن للأسف تقف اللغة الإنجليزية كعائق كبير في طريق تحقيق كثير من الأهداف والطموحات. ولا يخفى علينا انتشار النظرة القاتمة والإحباط بين دارسين اللغة الإنجليزية. حيث يصل ويؤدي هذا الإحباط إلى أن ينهي طالب بعثته أو يغير توجهاته وطموحاته لإحساسه بالعجز حيال تعلم اللغة الإنجليزية. وتتباين الآراء عن أسباب هذا الإحباط، فيلقي الطالب والمعلم والأسرة باللوم على بعضهم البعض ويصبح الهدف من دراسة اللغة الإنجليزية هو النجاح في الاختبارات والحصول على الدرجة المطلوبة فقط وتجاهل أهمية التعلم الحقيقي وإتقان اللغة وتطوير القدرات الكامنة الحقيقية عند الطلاب.
قمت بإجراء دراسة بحثية بمعهد اللغة الإنجليزية بجامعة الملك عبد العزيز لكشف أسباب الإحباط في تعلم اللغة الإنجليزية واستسلام بعض المشاركين للفشل وكره المادة تماماً وقمت بمقابلة 13 طالبة من طالبات السنة التحضيرية وتحليل المقابلات باستخدام المنهج التطبيقي الموضوعي ثم بتوزيع استمارات استبيان على 2400 طالبة و400 طالب في التخصصات العلمية والنظرية للتأكد من النتائج التي تم تحليلها بالوسائل الإحصائية SPSS.
وقد وجدت هذه الدراسة أن 60 % من المشاركين في البحث يغلب عليهم الإحباط ويشعرون بالملل في محاضرة اللغة الإنجليزية بينما لا يستمتع بتعلم اللغة سوى 40 % وأن نسبة الإحباط وصلت أعلى مستوياتها عند الطلاب الذين بدأوا تعلم اللغة الإنجليزية بعد سن العاشرة بينما وصلت أقل مستوياتها بين الطلاب الذين بدأوا في سن مبكرة كالخامسة أو السادسة.
وقد ربطت الدراسة بين الإحباط الذي يصيب الطلاب في تعلم اللغة الإنجليزية وبين نظرية أستاذة علم النفس المشهورة كارول دويك من جامعة ستانفورد عن العقلية الثابتة والعقلية النامية. ولما وجدت علاقة وطيدة بين عقلية الطالب ومستوى الإحباط قسمت الدراسة المشاركين إلى قسمين بناء على عقلياتهم اللغوية: عقلية لغوية ثابتة وعقلية لغوية نامية.
وقد كشفت الدراسة عن أن 60 % من المشاركين يحملون العقلية اللغوية الثابتة وهي العقلية التي تعتقد أن النجاح في تعلم اللغة الإنجليزية هو موهبة فطرية تعتمد على ذكاء الشخص وقدرة ثابتة ومحسومة بمقدار معين لا يمكن تطويرها أو زيادة حجمها، وقد أثبتت الدراسة أن هذه العقلية تؤثر سلبا على مستوى حافز الطالب لتعلم اللغة الإنجليزية وتؤدي إلى فقدان الرغبة في تكرار المحاولة أو بذل المجهود للنجاح في تعلمها، كما وجدت أن حامل هذه العقلية أكثر عرضة للفشل والإحباط والاستسلام لأن هذه العقلية لا تساعد على التكيف مطلقاً. حيث ينظر إلى الفشل بمنظور شخصي ويعتبر التحديات والعراقيل وبذل المجهود مصدر تهديد لإحساسه بذكائه وبالتالي يصبح أقل نشاطاً ويقلل من مشاركته في الفصل لتجنب الإحراج ولإخفاء نقاط ضعفه فهو يشعر أنه ذكي ومتميز فقط إذا لم يخطئ. هذه العقلية تقف عائقاً أمام التعلم لأن الطالب يصبح مهتماً بعلاماته وعدم وجود أخطاء في امتحانه أكثر من اهتمامه بأي شيء آخر. فكلما لاحظ نجاح الآخرين في تعلم اللغة كلما زاد إحباطه وقل تقديره لذاته وزادت قناعته بأن نجاحه في تعلم اللغة إنما هي موهبة فطرية إما أنه يملكها أو لا يملكها وأن النجاح والتفوق في تعلمها هو حصيلة لامتلاك هذه الموهبة. أما إذا احتاج لبذل قضاء ساعات طويلة لدراسة المادة فإنه يفتقر لهذه الموهبة.
على عكس العقلية الثابتة، أشارت الدراسة إلى أن 40% من المشاركين يحملون العقلية اللغوية النامية وهي العقلية التي تؤمن بأن تعلم اللغة هو مهارة وقدرة يمكن تطويرها وقدرة متغيرة يمكن تنميتها بواسطة التدريب وبذل المجهود. هذه العقلية أكثر اهتماماً بالتعلم من أجل التعلم وهي على استعداد لأخذ المخاطر حتى لو كان هذا يعنى ارتكاب الأخطاء وتعرضه للانتقاد. وقد أثبتت الدراسة أن هذه هي العقلية تؤثر إيجاباً على المستوى التحفيزي لتعلم اللغة الإنجليزية وتعزز المرونة عند الطالب وتجعله أكثر تكيفاً وقبولاً لمواجهة التحديات والعراقيل والتجارب الفاشلة، فأصحاب هذه العقلية يرحبون ببذل المجهود ويشعرون أنهم أكثر نجاحاً إذا كافحوا لفترة طويلة وفشلوا أكثر من مرة ثم وصلوا للهدف في نهاية المطاف. فهم يتعلمون الكلمات والقواعد الجديدة والصعبة ويستخدمونها مع الأخذ في الاعتبار عدم الالتفات للنتائج والأخطاء فكل عائق هو بمثابة تحدٍ لهم يمكنهم التغلب عليه وكل خطأ هو فرصة للتعلم.
صاحب هذه العقلية لا ينظر للفشل والرسوب كتهديد بل كجزء لا يتجزأ من عمليه التعلم وكخطوة أساسية من خطوات النجاح وعندما يواجه عقبة ما أو انتكاسة (كعدم كفاءة المعلم أو صعوبة المنهج أو البيئة المحبطة أو الدرجات الضعيفة) يجمع شتاته ويبتكر طرقاً جديدة خاصة به ويحاول مرة أخرى حتى ينجح، العقبات والأخطاء بالنسبة له تعني فرصاً جديدة لتحسين التعلم ولذلك يكون أقل عرضة للإحباط والاستسلام وأقل خجلاً من أخطائه.
فكلما زادت صعوبة المادة استمتع بالتحدي أكثر وكان أكثر نجاحاً وازدهاراً. وكلما لاحظ وجود طلاب أكثر منه كفاءة في اللغة الإنجليزية زادت رغبته في الاستفادة منهم في تنمية قدراته الكامنة في أصعب الظروف.
وقد حللت الدراسة أسباب تشكيل وتعزيز هذه العقلية القاتمة التي تزيد من مستوى الإحباط عند المشاركين ووجدت أنها ترجع لأسباب كثيرة تبدأ منذ سن مبكرة جداً بسبب بعض سلوكيات الأهل والمعلمات. الدراسة أيضاً وضحت أن العقلية الثابتة يمكن تغييرها إلى عقلية قابلة للنمو وتعزيزها وتطويرها عن طريق ورشة عمل أو دورات توعوية للمعلمين والطلاب من شأنها تغير معتقدات المشاركين ورفع مستواهم التحفيزي وزيادة الثقة في تطوير قدراتهم والوصول لأهدافهم اللغوية.