محمد آل الشيخ
سبق أن كتب «سلمان العودة» الواعظ المعروف في تغريدة له موثقة لدي على حسابه في (تويتر) ما نصه: «إيران تسير وفق رؤية واضحة مدروسة، وتستوعب حتى خصومها.. فأين حكوماتنا العربية؟ وأين مشروعها البديل لمواجهة التحدي؟».
إعجاب العودة بإيران ورؤيتها وسياساتها المؤدلجة، التي تخدم الأيديولوجبا، وليس مصلحة مواطنيها، كما جاء في التغريدة، هو العامل المشترك بين كل دعاة وأقطاب الإسلام السياسي، وتثوير الإسلام، وامتطائه لتحقيق أهداف ثورية للوصول إلى السلطة، لا فرق في ذلك بين سُني ولا شيعي. وهذا ما يتضح جلياً في كتاب العودة (أسئلة في الثورة)، الذي كتبه مساهمة منه في أحداث ما كان يُسمى (الربيع العربي)؛ إذ أورد فيه كل أحاديث طاعة ولي الأمر، والحفاظ على بيعته، ثم نسف بعضها وأوّل البعض الآخر، اعتقاداً منه أن ثورة مصر الإخوانية ستجتاح كل العالم العربي، وربما الإسلامي، غير أن فشلها، واعتقال أساطينها، ونجاح وتمكن واستمرار من أسقطوها، جعله وكثيرين من أمثاله فيما يشبه الزوبعة التي تعصف بهم، ولا تزال، ولا يدرون إلى أين ستقذف بهم رياحها في نهاية المطاف. أما إيران التي يراها (تسير وفق رؤية واضحة) - كما جاء في التغريدة - فها هي تتخبط، وتنتقل من مأزق إلى مأزق، ولعل آخرها ممارساتها الغبية ضد منشآت السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد؛ إذ وضعتها هذه الممارسات الديماغوجية في مأزق سياسي، ولا تدري كيف تخرج من ورطتها الغبية سياسياً، التي حولتها من الهجوم إلى الدفاع؛ فهل هذه رؤية واضحة أيها الواعظ؟
سلمان العودة - بلا شك - واعظ جيد ومتمكن من لغته الوعظية، وصاحب حضور قوي وجماهيري في الأوساط الشعبية، لكن فهمه في قضايا السياسة وقراءة واقعها، واستشراف المستقبل في قضاياها، بموضوعية وواقعية، واستقراء ما كان بلا عواطف، واستنتاج ما سيكون بحياد وعقلانية، لا يختلف عن أي إنسان ضعيف الوعي، وضيّق الأفق، ومكبل بالأيديولوجيا، يتحدث في ما لا يعلم، ويدّعي أنه يعلم، فهو كما يتضح من سقوط كل رهاناته السياسية، مذ التسعينيات من القرن المنصرم حتى الآن، جاهل في شؤون السياسة، ويفتقر - على ما يبدو - إلى معرفة عوامل تغيّراتها، وما هي الأنظمة الراسخة والدول القادرة على البقاء، والتكيّف مع المتغيرات، وتلك التي لا تملك هذه المقدرة على البقاء؛ وبالتالي تكون مؤهلة للوقوع في مطبات تكتيكية ومن ثم طوام استراتيجية، وحين تتراكم هذه الطوام لا بد أن تسقط وتندثر.
الدول المعاصرة هي تلك التي تدور مع مصلحة وتنمية شعوبها حيث دارت. بينما الدولة الأيديولوجية تسعى دائماً إلى نصرة أيديولوجيتها وإن جوّعت شعوبها وأفقرتهم، واستنزفت مواردها كإيران المتأسلمة أيديولوجياً تماماً؛ فالإنسان في هذه الدول لا يُكترث به، ولا بمصالحه، بل يهم قادتها وأساطينها في الدرجة الأولى تصدير أيديولوجيتها بأي ثمن، وتسعى بكل ما في وسعها من قوة ومال وسلاح إلى التوسع ونشر وتكريس سطوتها الأيديولوجية على الأرض، ثم وفي لحظة معينة، وبسبب تراكم الأخطاء، والإمعان في المغامرات غير المحسوبة جيداً، تكتشف متأخرة في الغالب أنها أخطأت وتمادت وتجاهلت الموضوعية، وسارت خلف الأوهام والأحلام والتفكير الرغبوي، وأهملت الإنسان داخلها، فتبدأ تشعر بتذمر ومعاناة مواطنيها الحياتية التي بلغت حداً لا يمكن استيعابه بالردع والعصي الغليظة، لتعود لإصلاح عقدها الاجتماعي بينها وبين مواطنيها، والالتفات إلى التنمية التي أهملتها، فلا تجد حينها إلا أكواماً من الدمار في بناها التحتية، وأفواهاً من الجوعى، وفساداً عاث في كل مفاصلها، واستشرى في آليات صناعة قراراتها، فيبدأ العد التنازلي للانهيار، وهذا بالضبط ما حدث مع الاتحاد السوفييتي، الذي قدم نصرة (الاشتراكية) في الخارج على مصلحة مواطنيه في الداخل، فتفكك وانهار. وليس لدي - أدنى شك - أن إيران تسعى في الاتجاه نفسه؛ فالدول الأيديولوجية لا مكان لها تحت شمس عصورنا الحاضرة. فهل يدرك سلمان العودة وأقرانه هذه الحقيقة التي أثبتتها التجارب الإنسانية التاريخية، ويدعون عنهم السياسة وشؤونها، ويتجهون إلى الوعظ الديني، تخصصهم الذي يبرعون فيه؟
إلى اللقاء