في الذكرى الأولى لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - ملكاً للمملكة العربية السعودية نزداد قناعة بأن هذه البلاد محفوظة - بمشيئة الله - أولاً، ثم بإيمان وحكمة قادتها ووحدة شعبها؛ فقد هيأ المولى - عز وجل - لكل عصر رجاله، ولكل مرحلة قادتها، فألقى الأمانة إلى سلمان بن عبد العزيز في مرحلة دقيقة وظروف استثنائية، فكان القائد على قدر المهمة، وقاد الوطن بحكمة وقوة وكفاءة. وبعد عام حافل بأحداث كبيرة، تخللها قرارات استراتيجية، ها هي بلادنا -حرسها الله - أكثر أمناً وعزة، تواصل عملية البناء والتطوير والتنمية بوتيرة أكثر تسارعاً، متجاوزة منعطفات خطيرة، ومستوعبة تحولات كبيرة بثقة وطمأنينة.
فقد واصل هذا العهد الزاهر، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وبدعم ومؤازرة سمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وسمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز - يحفظهم الله-، العمل على الأسس الثابتة التي قامت عليها هذه البلاد المباركة منذ توحيدها تمسكاً بالشريعة الإسلامية الغراء، وحفاظاً على وحدة البلاد، وتثبيت أمنها واستقرارها، وعملاً على مواصلة البناء، وسعياً متواصلاً نحو التنمية الشاملة، وتحقيق العدالة لجميع المواطنين، وإتاحة المجال لهم لتحقيق تطلعاتهم وأمانيهم المشروعة في إطار نظم الدولة وإجراءاتها.
وفي هذا الإطار، أصدر خادم الحرمين الشريفين في بداية عهده الزاهر عدداً كبيراً من الأوامر الملكية التي أكدت أن بلادنا - حرسها الله - تسير ثابتة الخطى، راسخة الدعائم، وحملت دلالات واضحة، أهمها اختصار الهياكل الإدارية، بما يضمن الحد من البيروقراطية، ويؤكد التنسيق والتكامل في اتخاذ القرارات، ويختصر الوقت والجهد، ويضمن سرعة التنفيذ. كما راهنت القرارات على شباب الوطن؛ ما منح العمل الإداري رؤية شابة طموحة وتواقة إلى الإنجاز، واعتبرت المواطن هو العامل الأهم، وركزت على البُعد الاجتماعي.
وجاء إنشاء مجلس الشؤون السياسية والأمنية مواكباً للدور الإقليمي والعالمي الذي تلعبه المملكة انطلاقاً من ثقلها السياسي، إضافة إلى مكانتها الاقتصادية. كما جاء إنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لتحقيق الكفاءة واستثمار القدرات الاقتصادية لخدمة المتطلبات التنموية وحاجات المواطن بشكل يحقق أعلى معدلات الجودة والكفاءة.
وعلى الصعيد السياسي أكد هذا العهد الزاهر التزامه بجملة من المرتكزات، أهمها الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، واحترام مبدأ السيادة، والرفض الكامل والحاسم لأية محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية، والدفاع المتواصل عن القضايا العربية والإسلامية، والسعي الجاد لتحقيق التضامن العربي والإسلامي، من خلال تنقية الأجواء، وتوحيد الصفوف، ومواجهة المخاطر والتحديات المحدقة بهما، فضلاً عن السعي لتحقيق الأمن والاستقرار في العالم، ورفض أية ممارسات تهدد الأمن والسلم الدوليَّين.وعلى صعيد مكافحة الإرهاب التزم هذا العهد الزاهر بمكافحة التطرف والإرهاب بجميع صوره وأشكاله، والتصدي بكل حزم لمنطلقاته الفكرية، وتوضيح مخاطره ومحاولاته الخبيثة زعزعة الأمن والاستقرار في مهبط الوحي ومهوى أفئدة المسلمين.وفي هذا الإطار تم تكوين تحالف، يضم عدداً كبيراً من الدول الإسلامية بقيادة المملكة لمحاربة الإرهاب، وتطوير البرامج والآليات لدعم الجهود في هذا المجال.
وعلى صعيد الوحدة الوطنية أكد هذا العهد الزاهر أن المواطنين سواء أمام الحقوق والالتزامات والواجبات، ودعا إلى نبذ أسباب الفُرقة والانقسام وشق الصف والمساس بالوحدة الوطنية.
وحرص هذا العهد الزاهر على أداء واجباته تجاه الدول الشقيقة، ونصرة قضاياها العادلة، ومن ثم فقد جاءت عملية عاصفة الحزم بمشاركة عدد من الدول العربية والإسلامية، بطلب من الحكومة الشرعية في اليمن لإنقاذه من فئة انقلبت على شرعيته، وعبثت بأمنه واستقراره، وسعت إلى الهيمنة وزرع الفتن في المنطقة، ملوحة بتهديد أمن دول الجوار، وفي مقدمتها المملكة، ومنفذة لتوجهات إقليمية، تسعى إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية من خلال تحويل اليمن إلى بؤرة للصراع المذهبي والطائفي.وقد وجَّهت عاصفة الحزم رسالة قوية وحاسمة لكل من تسول له نفسه أن يهدد أمن المنطقة وشعوبها الراغبة في السلم والاستقرار، وانطلقت من ثوابت المملكة ومبادئها الأصيلة في الانحياز للحق، ومناصرة القضايا العادلة، ومساندة الشعوب العربية والإسلامية، والمحافظة على استقرار المنطقة وأمنها، بل الأمن والسلم الدوليين.
وعلى الصعيد الاقتصادي أثبت الاقتصاد السعودي متانة الأسس التي يعتمد عليها، وقدرته على تحقيق النمو في وقت يعاني فيه كثير من دول العالم ركوداً واضحاً وأزمات اقتصادية كبيرة، وكانت بنود الميزانية الجديدة دليلاً واضحاً على استمرار بلادنا في تسريع التنمية، وتطوير الموارد والمرافق.
وشاركت بلادنا في اجتماع قمة مجموعة العشرين تأكيداً للمكانة المرموقة والمهمة التي وصلت إليها بلادنا في خارطة الاقتصاد العالمي. وأسهمت المملكة من خلال هذه القمة في خطط تطوير العلاقات الاقتصادية بين الدول، وتذليل العقبات والمعوقات، وتشجيع ودعم تدفق الاستثمارات، وتبادل الخبرات، ونقل التقنية وتوطينها، والتعاون في المجالات كافة، بما يعود بالنفع والفائدة على الجميع.
وفي مجال التعليم شهد هذا القطاع الحيوي - باعتباره أهم قطاعات الاستثمار في أبناء هذه البلاد، وتوطين خبراتهم ومهاراتهم للوفاء بمتطلباتنا التنموية - تغييراً مهماً، من خلال دمج وزارتي التربية والتعليم بالتعليم العالي؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنسيق في العملية التعليمية، وييسر انتقال الطلاب من مرحلة التعليم العام إلى مرحلة التعليم الجامعي، ويحسن مستوى مدخلات المرحلة الجامعية، ومن ثم مستوى مخرجاتها، ويزيد قدرة هذه المخرجات على الوفاء بالاحتياجات المتجددة والمتطورة لسوق العمل.
ووفَّر هذا العهد الزاهر كل الإمكانات والمتطلبات اللازمة لرفع جودة التعليم، وزيادة فاعليته، ورفع مستوى منسوبيه، وإكسابهم المهارات المطلوبة. وفي هذا السياق تم التركيز في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي على المواءمة بين مخرجات التعليم وحاجة العمل؛ ليسهم في سد الفجوة باحتياجات سوق العمل من بعض التخصصات الحيوية، وهو ما يساعد في توفير كفاءات وطنية، تخرجت في أرقى الجامعات، وفي تخصصات تتوافق مع احتياجات سوق العمل ومتطلبات برامج التنمية، وتشارك في نهضة الوطن وتطوره.
وفي الختام أدعو الله العلي القدير أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وسمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وأن يديم على بلادنا أمنها واستقرارها وعزها في ظل القيادة الحكيمة لحكومتنا الرشيدة.. إنه نعم المولى ونعم النصير.
د. خالد بن صالح السلطان - مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن