رقية الهويريني
في دراسة جادة تقدم بها أحد طلبة الدراسات العليا لنيل درجة الماجستير أثبت فيها أن الرياض مدينة موحشة، وتسبب لسكانها الاكتئاب! وأورد جملة من الأسباب أحدها عدم توفر سكن وكذلك الازدحام، وغيرها من أسباب منطقية. ثم ظهر استطلاع أجرته منظمة «WIN/Gallup International» العالمية وشارك فيه أكثر من 66000 شخص من 68 دولة حول العالم (بحسب صحيفة «إندبندنت» البريطانية) وقد حصلت المملكة العربية السعودية على المرتبة الثالثة كأسعد دولة في العالم، بعد كولومبيا وجزر فيجي. وتؤكد الصحيفة أن المنظمة استخدمت في الاستطلاع مقاييس دولية كالحقوق العامة والتعليم والصحة والتقدم الاقتصادي والتفاؤل بالمستقبل والأمن، وقد تم سؤال المشاركين عن الثروة المادية والاستقرار المدني، وجاءت النتائج متقدمة لصالح المملكة عربياً وعالمياً!
وما بين الدراسة المحلية والاستطلاع العالمي تظهر هناك فجوة، إما بعدم المصداقية أو بانتفاء الدقة! وأياً كانت نتائج الدراسات فإنها لا ترقى لإطلاق أحكام قطعية استناداً لطبيعة الدراسات الإنسانية والاجتماعية التي لا تعتمد على الحسابات بقدر اعتمادها على الآراء المتقلبة المعرضة للتبدل والتغيير!
ولا يمكن تحديد (مقياس للسعادة) عند البشر! فهو يختلف باختلاف منظور الناس وتطلعاتهم وطموحاتهم، فما يراه أحدهم يحقق سعادته قد يكون متوفراً عند الآخر ولكنه لا يكاد يشعر بالسعادة! مع اليقين بأن هناك خلطاً بين السعادة والسرور، فالسرور طارئ متحرك يحكمه الوقت، بينما السعادة أكثر استقراراً وثباتاً ولا تتوقف عند الحالة الآنية التي يمر بها المرء.
وأيا كان مفهوم السعادة وأبعادها فإن مقوماتها الثابتة تعتمد على الرضا والقناعة بالموجود والسعي لتحسينه بما هو أفضل منه دون خسائر من المتوفر بل الاحتفاظ به كاملاً، فلا يمكن التفريط بالصحة أمام المال، ولا يعقل إغداق المال على الأبناء وتدليلهم مقابل التفريط بالتربية والحزم.
وأزعم أن سعادة المواطن لا تتأتى إلا من خلال حزمة إجراءات أهمها حصوله على حقوقه الإنسانية والمدنية دون وساطة أو استجداء مسؤول، وعدم الشعور بالاضطهاد طالما يراعي هو حق المواطنة وما تقتضيه متطلباتها، وأن ينال المرء ما يستحقه من تقدير ومكانة بحسب جهده واجتهاده.
وأجزم أن أولئك الذين يقعون في تصنيف الطبقة الوسطى اقتصادياً هم ممن يشعرون بالسعادة أكثر، لأنهم يعيشون الانتظار الجميل ويتطلعون دوماً لتحسين وضعهم بتؤدة، ولديهم الطموح المعتدل الذي يشعرهم بالأمل والتفاؤل.
وليس أسعد من حياة وقودها الأمل والتفاؤل، فهما سرها العجيب!