د.محمد الشويعر
الوطن هو عبارة عن المكان الذي يرتبط به الشعب ويعيش عليه، وله به ارتباطٌ تاريخي طويلٌ، كما أنه المكان الذي وُلدت أنت فيه، وله هوية، الوطن هو الهواء الذي تتنفسه، وهو تاريخ وحضارة، وهو كل ما فوق الأرض وكل ما تحت السماء، والأهم من هذا وذاك، أنّ الوطن هو الإنسان الذي يعيش جنباً إلى جنب مع أخيه الإنسان مهما اختلفت أفكارهما ومهما اختلفت عقائدهما.
جغرافياً وفي السياق الأكاديمي تعريف آخر للوطن : هو مساحة جغرافية يعيش عليها الأفراد ويترابط فيها الجماعات، فيسكنون الأرض ويعملون بها وبإعمارها وزراعتها والتكاثر عليها.
وفي السياق المعنوي تعريف آخر للوطن: هو حالة الحب والعشق التي تنشأ منذ الولادة، فهي الذكريات التي لا تنسى، فالوطن هو الخير والعلاقة الحميمة بين الناس والشعوب، الوطن هو الدفء، والوطن بلا أفراد لا يعد وطناً، والإنسان بلا وطن، يعد إنساناً بلا كرامة، فالوطن يعطيك القيمة الإنسانية، حتى وإن كان الوطن صحراء قاحلة، ويشعر بها ساكنها بالعلاقة الحميمة بينه وبين إخوته، فحب الوطن غير مشروط؛ لأنه نابع من القلب، حتى وإن كانت مقومات الحياة صعبة فيه.
الوطن هو الإنسان، قبل أن يكون قطعة جغرافية من الأرض، بل هو شيء أبعد من ذلك بكثير، ولو كان الوطن عكس ذلك لاستغنى الإنسان عنه بكل سهولة، وذلك بمجرد أن يجد قطعة أخرى جغرافية من الأرض تفوق وطنه بمزايا كثيرة، كأن تكون أجمل بطبيعة ساحرة، أو مناخ أفضل، ولكن ما بالك بمن يعيش في الأقطاب المتجمدة، أو من يعيش في الأماكن الملوثة وغير المناسبة للعيش والاستقرار، ألهذه الدرجة لم يعد يعجبهم أي مكان آخر؟! هل هم لا يستطيعون الانتقال منها والعيش في مكان آخر!.
ولنا في رسول الله أسوة حسنة في حبه لمكة، حيث قال عليه الصلاة والسلام لمكة: «ما أطيبك من بلد وأحبك إلي: ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك».
هذا حنين رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة وحبه لها إبّانَ هجرته منها إلى المدينة.
ولكن قد أجزم قطعاً أنّ هناك سبباً أشد أهمية من هذا وغيره من الأسباب، فكما تعوّد الإنسان على طبيعة عيش في بيئة معينة بإمكانه أن يتعود على غيرها وبسرعة كبيرة، فالإنسان كائن قابل للتأقلم وبشكل كبير وفي أي مكان يتواجد فيه.
إذاً ما هو السبب؟. السبب هو الوطن!!.
فعلاقة الوطن بالإنسان علاقة وثيقة وحميمة وترابطية، وهي نابعة من عقله وعاطفته القلبية، فلا مكان للماديات في هذا الشأن؛ لأنّ العلاقة حافظة للذكريات التي لا تفنى «ذكريات الطفولة والشباب» ولقاء الأحبة والأحباب، وذكريات الحب والفرحة والأوقات الجميلة، والحزن والكآبة، فقد يكون الوطن صحراء قاحلة أو جليداً صلباً، أو جبالاً شامخةً شاهقةً، ويتغنى بحبها الكثير، ويناجيها بالليل والنهار كأنها إحدى معشوقاته، فهو صادق الإحساس؛ لأن هذا نابع من الحنان والعطف والمحبة.
وكما قال الشاعر أحمد مطر عن حب الوطن:
نموت كي يحيا الوطن
يحيا لمن ؟
نحن الوطن.
إن لم يكن بنا كريماً آمناً
ولم يكن محترماً ولم يكن حُراً
فلا عشنا.. ولا عاش الوطن
أغلب الأوطان تتعرض للاعتداءات الكثيرة، فهل يستحق الوطن أن يدافع عنه؟.
كيف.. لا. والإنسان الذي يحب وطنه، تسبقه عواطفه قبل جوارحه، فلا يقبل المساومة بأي شكل من الأشكال، ولا يحب التفاوض عليه؛ لأنه أرض الأجداد، وأرض الأحفاد، ويدافع عنها بكل ما أوتي من قوة ومن جهد حتى لو كلفه ذلك حياته، ولنا صور واقعية في التضحية على امتداد عصور التاريخ، والدفاع عن الوطن لا يكون إلا إن تعرض للاعتداء، وفي هذا الأمر تفصيلات كثيرة، وتتعدد أشكال الاعتداءات التي تتعرض لها الأوطان، وربـّما يكون من أبرزها:
الاعتداء من قبل دولة أخرى بقصد تسخير الشعب، وبقصد امتلاك كافة ثرواتها، أو بهدف التوسع الجغرافي للدولة المحتلة، أو ربما يكون لأسباب عقائدية، وكل أنواع الاعتداءات هي طغيان.
وباختلاف أنواع الاعتداءات المتنوعة على الأوطان، قد يتعرض هذا الوطن لاعتداء مخططٍ لتقسيم أرضه وشعبه إلى فصائل وفئات وأحزاب متناحرة ومتذابحة، بعد عيشة هنيئة يسودها الحب والوئام، كانوا يعيشون في أمن وأمان في أرض واحدة، ولهم ذكريات واحدة، وهذا هو تمهيد في الغالب لما ذكرناه سابقاً، وربما يكون التخطيط للاعتداء من قِبل أيدي أبنائه الذين سممت أفكارهم وغذيت بالكراهية والحقد وعدم تقبل الآخرين المختلفين عقدياً، وتفريق أبناء الوطن جميعهم.
إنّ الفسادَ الداخليّ لهـُو اعتداءٌ على الوطن وأبنائه، عن طريق نهب ثرواته، وعدم تحمل أمانة المسؤولية العظيمة التي ألقيت على عاتقهم في صون مقدرات الوطن وثرواته وثروة المواطنين جميعهم، وهذا هو السبب الرئيسي لضياع الأوطان في العالم، من نشوب المخططات وطمع الأعداء فيه، فالإعلام يطبل ويجعجع ليلاً ونهاراً في الإذاعة والمنابر التلفزيونية، فأنْ تُوهِمَ الناس بأنك تحبهم وتحب الوطن وتسرقهم في أول فرصة سانحة، فهذه من قلة الأخلاق، وهي خيانة للوطن والأمة.
وكما قال الأديب والشاعر معالي الدكتور غازي القصيبي رحمه الله عن الوطن:
وطني عشت دوماً في عز وسؤدد ورخاء
حماك الله يا وطني من كيد الأعداء
نحن لجل الوطن كلنا جنوده
مع القادة توحدنا بحياده
كريم موطني ربي يزوده
بخير وعز وأمجاد وريادة
وجوب حماية الوطن
ومن الواجبات التي عليك: دفاعك عن وطنك، فتبدأ بولائك لولي أمرك، وبمحبة أبناء الوطن لبعضهم البعض، فبهذا الشأن أنت تقتل أي نوع من أنواع المخططات التي تفتك بالأمة والوطن والمواطن.
وحماية الوطن والذود عنه لا تكون - فقط - بالشعارات ولا بصف الجيش الذي يرابط على الحدود ويعمل ليل نهار على حماية الأمن، بل هو مفهوم أوسع من ذلك وأشمل.
فحماية الوطن تكون أولاً بقيادة حكيمة، وبالوعي التام الذي يجب أن يتحلى به كل أبناء الوطن، وتحسين الأوضاع الاقتصادية وإدارة التنمية بكافة المجالات، هذا أولاً، أما ثانياً: تكون حماية الوطن بالتعليم، وعدم اتباع سياسة الجهل، ونشر الثقافة في المجتمع، وتحسين الأخلاق بين الأفراد والشعب، واحترام الآخر أياً كان، فالوطن حاضنة كبيرة باختلاف اللغات والمذاهب والطوائف، فهو وحدة صف بدون اختلاف، نتيجتها الحتمية «حماية وطن من أي اعتداء خارجي يهدد أمنه وأمن مواطنيه»، فالأمن ليس مجرد شعارات يتغنى بها البعض، بل هو تطبيق عملي نابع من القلب قبل الجوارح.
فمصلحة الوطن تتوجب أن تكون أولاً وقبل كل شيء، وقبل أية مصلحة كانت أو تكون، فالمصالح كثيرة ومتنوعة فربما تكون مصلحة مادية أو حزبية أو سياسية أو اقتصادية أو أي نوع آخر، فكل هذه المصالح هي أنواع مختلفة لمصالح ذاتية فردية، لا ترتقي لأن تكون مصلحة جماعية لكافة أبناء الوطن.
والدفاع عنه فرض على كل من هو قادر أن يدافع عنه وأن يقدم الغالي والنفيس من أجل الحفاظ عليه، فهناك علاقات تربطهم وعادات وتقاليد ودين ولغة وإرث مشترك، ويجب على الإنسان أن يقدر هذه النعمة قبل أن يفقدها، فمن يتعاملون مع الوطن تعاملاً مادياً لا يعرفون الحب الحقيقي للوطن.
وهناك من يتخيل الوطن على أنه كيس من العملات النقدية، فما إن تتدهور الأحوال الاقتصادية وبشكل كبير جداً حتى يكفروا بهذا الوطن ويكفروا بجميله عليهم، فهم يريدون فقط كسب المصالح دون تقديم شيء؛ لهذا فحب الوطن من المستحيل أن يكون نابعاً من الأحوال الاقتصادية الجيدة.
فالإنسان بلا وطن كشيء بلا اسم وبلا قيمة وبلا هوية، فيجب على الإنسان أن يحب وطنه؛ وحب الوطن هو غريزة؛ لأن وطنه هو أصله وتاريخه وحاضره ومستقبله، فالوطن هو المبتدأ والمنتهى.
واجبنا نحو الوطن والوطنية
بدون وطن كيف تتكون الإنسانية، كيف يعيش الإنسان بلا هوية، وبلا جنسية، فهذا إنسان خائب خاسر لا يوجد له مبدأ وحياة، فحياته بلا معنى، وبلا كرامة وبلا حرية كيف يهنأ فيها.
فعلى محب الوطن أن يقدم واجبات عديدة لوطنه، كالاهتمام به والدفاع عنه والغيرة على مصالحه، وأن يكون محباً لوطنه، لا يجب أن يحتقر نهائياً الآخرين والادعاء بالأفضلية والأحقية، وهذه من الأسباب التي تعاني منها الأمة العربية اليوم من فرقة وعصبيات بغيضة جرت لها الدمار والخراب على كافة السبل والأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
كما يستحق الوطن من أبنائه التمسك به والشعور بالاعتزاز بالانتساب إليه، وليس التسابق لتركه والتخلي عنه في أصعب المواقف، وهي التي يكون فيها الفساد عاماً وطاغياً، فمعدن الرجال وحبهم للأوطان يتضح عند هذا المجال والموقف، دمت لنا يا وطن.
واللبيب بالإشارة يفهم..!!