العبد لا بد أن يحيا ما كان حيا في كبد وشدة (لقد خلقنا الإنسان في كبد) والفرق بين المؤمن بربه وغيره؛ أن ألم المؤمن يختلف عن غيره جملة وتفصيلا، وبقدر إيمانه يكون ابتلاؤه شراً، وبلاؤه خيراً أو شراً، وبقدر معرفته بربه يكون صبره أو رضاه أو شكره، وقد ذكر القرآن الكريم تلك الصوركلها، وكانت سير الأنبياء ابتداء من أولي العزم إلى بقيتهم صورة مشرقة تبين هذا الأمر أيما تبيين، وكذا فيما بعد سطر الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ثم التابعون ثم تتابع أهل الإحسان على ذلك جعلنا الله منهم.
نحن نحيا آلاماً في خاصة أنفسنا وآلاماً أشد هي آلام أمتنا.
ولله في كلها حكمة وما لم يشأ الله لم يكن ليكون ( ولو شاء ربك مافعلوه ) وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
ولله في كلها لطف قد نعلمه وقد نستشعره، وقد لا نعلمه ولا نقف عليه، لكنه لطيف حكيم علمتَ أم لم تعلم.
وبعض العباد يقف على لطف الله وقت الابتلاء فيصبره ذلك ويهون عليه ويجد لذة صبره ورضاه وشكره.
وقد لا يقف بعضهم على هذا اللطف إلا بعد الفرح بالفرج العظيم الذي قد يكونون لم يتصورونه.
وقد لا يقف عليه بعضهم حتى يلقى الله.
لعل من صور اللطف ألا تعجزك الهموم ولا تثقلك الأحزان عن مهمتك التي خلقت لأجلها، ولا عن المسابقة والتنافس للرقي في المراتب ليس فيما يخص الدنيا بل مراتب الآخرة.
ليس في حياة العبد وقت يضيعه في البكاء والتباكي.
وإن كان لا بد أن نبكي أن نتألم، أن نصرخ في دواخلنا وقد يكون أعلى من ذلك، فلا يدرك هذا المعنى إلا من اشتد به الألم رغم قوته.
لكن لستُ أقصد ذلك إنما قصدتُ لا تجعل ألمك يقعدك ،حسبك ما تروي به لوعة ألمك، فقد بكى نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغيره.
لكن هل قعد أو عجز !
لا تجعل مدة حزنك تطول، فالعمر قصير.
لا تعجز عن العمل ولا تضعف ولا تقصر.
لا تغلق بابك؛ إن لزم اجعلها هنيهة يسيرة ثم افتحه وانطلق لمهمتك.
لا تترك التعبد فهو زادك للتصبر.
لا تترك العلم والدعوة فكم تجد من الأنس رغم شدة الألم حين تتعلم وعندما تعلم أو تدعو إلى الله.
كم تتحول هذه الدموع إلى طمأنينة تجدها بعدُ.
قد تكون في قمة آلامك فتقف مع مكلوم أو ثكلى فتجد في بَردَتِه بَردتك وهذا من لطف الله بك.
نعم تجد لطفًا حين تشعر أنك بقيت شامخا كالنخلة أو راسياً كالجبل مدة ابتلائك.
لطف عظيم من رب العالمين إن لم تهن أو تزغ.
ناهيك عن ألطاف أخر تحياها في الشدة، فقط أحسن ظنك بالله وكن قويًا، وتحر ألطاف الله في كل شيء، لا تجعل نظرتك للأمور سوداوية كالحة.
أفق من سباتك ومن عجزك ومن يأسك.
وتقدّم بما ينفعك في دنياك وآخرتك.
قابل الأمور وكل من يلقاك بابتسامة الرضا.
وحال أمتنا وإن كان لإيلامه لون آخر أشد وأقسى إلا أننا لا نرى في ذلك إلا لطفا من الرب وحكمة.
ولو شاء الله لأهلك أعداءه من حيث لا يحتسبون ولا نحتسب.ونحن نتألم لآلام أمتنا أكثر من آلامنا، وقد نخصهم بالدعوات وبأوقات الإجابة أكثر من أنفسنا.
ففرج الله عن أمتنا وجعل لها نصرا عاجلا نفرح به، وحفظنا وإخواننا من أن يجعلنا فتنة للقوم الظالمين.
أ. د. ابتسام بنت بدر الجابري - أستاذة التفسير وعلوم القرآن بجامعة أم القرى