(الصلاة الصلاة) ">
جميعنا يعلم أن الصلاة حينما فرضت في الملأ الأعلى فرضت خمسين صلاة في اليوم والليلة. لو تأملنا ذلك جيداً لو جدنا أننا كنا مكلفين بفرضين في كل ساعة. لكن ماذا لو أضفنا مع الفرضين في هذه الساعة الوضوء والسنن الرواتب والأذكار بعد الصلاة والانتظار قبلها. هنا فقط نستطيع أن نستشعر أن المهمة الأصلية التي خلقنا من أجلها هي أداء الصلاة تلو الصلاة كالملائكة؛ لكن رحمة الله بنا واسعة وفضله علينا سابق فخفف الصلاة من خمسين صلاة إلى خمس صلوات، فهي خمس صلوات في العدد وفي الأجر خمسين صلاة وهذا من كرم الله علينا.
لكن هذه الصلوات الخمس يجب أن يكون أثرها على العبد في الجانب العملي أثر الخمسين صلاة في التركيز والتدبر والتأمل، ومن جود الله أن جعل جزاء جميع أعمال العباد إذا أخلصوا النية الأجر العظيم، وحين قال النبي إن في بضع أحدكم صدقة تعجب الصحابة، وهذا يدل على أن المسلم لا ينقطع عن الأجر كمن يصلي خمسين صلاة فهو في عبادة مستديمة.
أما في الجانب التطبيقي في الصلاة فخادم رسول الله أنس بن مالك يقول: (مَا أَعْرِفُ شَيْئاً مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلَّم- قِيلَ الصَّلاةُ؟ قَالَ أَلَيْسَ ضَيَّعْتُمْ مَا ضَيَّعْتُمْ فِيهَا؟) ونحن نقول لو خرج أنس - رضي الله عنه - إلينا لما عرف حتى صلاتنا. كيف سيعرفها ونحن نرى الأئمة حين يجهرون في الصلاة يقرؤون الفاتحة بتمهُّل وترتيل، وإذا جاءت الركعات السرية لا يكاد ينتصف المصلي في قراءة الفاتحة إلا والإمام قد ركع.
إذا أردت أن تعلم عن ماذا نتكلم وأنت تعلم، فانظر إلى الصلاة في أغلب المساجد، هل تستطيع أن تقول في سجودك سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثاً بتركيز وتدبر قبل أن يرفع الإمام؟ هل تستطيع أن تتم الذكر في التشهد الأخير على ما جاء في السنة قبل أن يسلم الإمام؟ وأسئلة كثيرة أنت تعلمها بمجرد أن تراجع حال وقوفك بين يدي ربك. إن ما أردنا قوله باختصار هو الحذر كل الحذر من الوقوع في قوله سبحانه: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً}.
ومن المعلوم أن الوقت الذي نقضيه مما يرى الناس أنه متعه وأنس أكثر بكثير من وقت الصلاة. فلا يوجد مسلسل في التلفاز مدته ثلاث دقائق، ولكن توجد صلاة مدتها ثلاث دقائق. ولا توجد مباراة لكرة القدم مدتها ثلاث دقائق، بينما توجد صلاة مدتها دقيقتين من التكبير إلى التسليم. وواضح أن اتباع الشهوات يحظى بعناية فائقة ويمنح كل الوقت، إن بعض الرجال قد لا يرغب في إيصال أهله إلى مكان ماء في وقت يكون فيه مباريات أو مسلسلات أو برامج يستمتعون بمشاهدتها، لكنك تجدهم يجوبون الشوارع أوقات الصلاة. والبعض يحرص على قراءة الصحف وما فيها أكثر من حرصه على قراءة القرآن، بحساب السطور لا بحساب التدبر.
الشيخ إبراهيم الأخضر بن علي القيم - شيخ القراء في المسجد النبوي