د. محمد عبدالله العوين
كتب سعادة رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك في الجزيرة عدد الخميس الماضي 4-4-1437هـ مقالاً ضافياً تصدر الصفحة الأولى بعنوان: «غياب الإعلام الخارجي لماذا وإلى متى؟! وقد لامس المقال مشاعر كثيرين من القراء والمتابعين، وعبر عن حقيقة مؤلمة لا تتناسب أبداً مع مكانة المملكة العربية السعودية السياسية والدينية والاقتصادية وعمقها التاريخي عربياً وإسلامياً ولا تعبر عن العداء السافر المكشوف الذي تتعرض له بلادنا من وسائل إعلام غربية وفارسية بصور مختلفة، ومحاولات الأعداء من دول وثقافات وملل شتى تحريف التاريخ وتشويه الحقائق وإلصاق التهم واجتزاء المقولات وربط الأحداث ربطاً خاطئاً مقصوداً وادعاء نسبة ما يقع من جرائم إرهاب أو تطرف في العالم إلينا، وتحميل بلادنا أوزاراً أيدلوجية لا صلة لنا بها من خلال تلقط الشوارد من الوقائع والأسماء والمقولات وخلق مسلسل أكاذيب مفضوحة للعقلاء والبصيرين والمدركين؛ لكنها قد تنطلي على العوام والغوغاء والسذج وناقصي المعرفة، وهم في حقيقة الأمر من تستهدفهم الرسائل الإعلامية الموجهة من الإعلام الغربي المنحاز والإعلام الإيراني الذي يشتغل بكل اللغات الحية والميتة وتصل إليهم رسائل الإعلام وأدوات الاستقطاب الفارسية التي تستهدف الإسلام والعرب دينا وتأريخا وحضارة، ثم تستهدف بلادنا سياسة وأمناً واقتصاداً وتوجهاً ومنطلقات وثوابت دون أن تجد من يقف أمام التقولات والأكاذيب من يواجهها ويفندها بالأدوات الإعلامية والدبلوماسية نفسها التي وجهت بها رسائل الأعداء الغربية أو الفارسية السافرة.
الحق أننا لا نعاني من ضعف إعلامي خارجي فحسب؛ بل داخلي أيضاً، وهو ما يشتغل على إصلاحه معالي الوزير الشاب الدكتور عادل الطريفي - وفقه الله - لكن هذه المرحلة الصعبة التي تواجه فيها بلادنا حرباً إعلامية خارجية شرسة بمختلف الوسائل لا تعني أن ننصرف إلى إصلاح الداخل ونغض الطرف عن العناية بإصلاح إعلام الخارج، وحين نفعل ذلك؛ فإننا في حقيقة الأمر كأننا معنيون كل العناية بمخاطبة أنفسنا وإقناع أهلنا وأبناء جلدتنا في محيطنا العربي إن وسعنا دائرة بث الرسالة الإعلامية قليلاً، وتلك غاية نبيلة شريفة لا مراء فيها، ويجب أن تستمر بأن تعطيها الكثير من الاهتمام؛ بيد أن إيذاءنا وتشويه صورتنا وتهييج العالم علينا لا يأتي في مجمله من الداخل ولا من محيطنا العربي؛ ولو وقع شيء من ذلك فإنه لا يمكن أن يحسب إلا في عداد الشاذ النافر الذي يمكن احتواؤه والرد عليه باللغة نفسها وبالأسلوب نفسه الذي أرسل أو كتب به، ومخاطبة ابن البيئة أو المحيط والثقافة أيسر وأقل عنتاً ومشقة من مخاطبة البعيد الغريب لغة وثقافة وانتماء؛ فذلك الغريب المختلف يتطلب في لغة الخطاب حذقاً بأدوات ووسائل الإقناع، ومهارة في استخدام العلاقات الحضارية والتاريخية بين الديانات والشعوب، وبراعة في توظيف المشترك من القيم الأخلاقية الإنسانية، ومقدرة فائقة في المحافظة على قدر كبير من مساحة الاختلاف الحرة الطبيعية بين الثقافات، وتقديم الواقعي الجميل الجذاب بالصوت والصورة من مفهوماتنا وما أنجزناه حضارياً على المتخيل السيئ مما رسمته الميديا في الذهنية الغربية عن العرب والمسلمين، وعن بلادنا بصورة أكثر خصوصية.
نحن مغيَّبون عن العالم، غرباء عليه، قصيون ناؤون؛ على الرغم مما بذلناه من خطوات ممتازة للتقارب معه بحوار الديانات والحضارات والشراكات الاقتصادية والتنموية وبعثات أبنائنا إليه؛ إلا أن صورتنا في المخيال الغربي لا زالت سيئة معتمة مشوهة؛ وكأن صلتنا بالعالم مقطوعة، وكأنه ليس بين ظهراني دول العالم ما يقرب من مائتي ألف طالب مغترب يتعلم ويدرس في جامعات الغرب والشرق ومعاهدهم، وكأننا لم نصنع جسراً طويلاً من الشراكات الاقتصادية مع كبريات الشركات العالمية في مختلف المجالات، وكأننا أيضاً لا نملك ما نباهي به ديناً وتأريخاً واقتصاداً وجغرافيا، وكأننا لا زلنا في نقطة الصفر ولم نبدأ بعد مسيرتنا الحضارية والتنموية!
من المسؤول المعني بإصلاح صورتنا الإعلامية المشوهة؟!
هنا مربط الفرس، وبتحديد المسؤولية المباشرة نستطيع أن نبدأ؛ لكن الأخطر ألا نبدأ، وأن نظل في حالة عدم وعي بخطورة الحروب الإعلامية التي تنهشنا بكل اللغات صباح مساء بمختلف الوسائل واللغات ونحن في حالة غيبوبة عما يحاك ويدبر؛ فليست الأقوال والشتائم إلا مقدمة لأفعال عدوانية يراد تبريرها.