د. عبدالواحد الحميد
لم يكن غريباً أن تكتشف وزارة الصحة حجم الإهمال الذي أدى إلى حدوث مأساة حريق مستشفى جازان، فالإهمال واضح حتى قبل ظهور نتائج التحقيق في الحادثة المأساوية.
الأمر الجديد هذه المرة هو أن الجهات الرسمية التي وعدت بإجراء تحقيق لاكتشاف ملابسات الحادثة قد أجرت التحقيق بالفعل وأعلنت نتائجه بسرعة ودون إبطاء، وأن وزارة الصحة اعترفت بالتقصير، وأوضحت بكل شجاعة في مؤتمر صحفي، وفق ما نشرته وسائل الإعلام، الأمور الآتية:
- إنه كان يمكن تقليل الوفيات لو تم الإخلاء بطريقة صحيحة.
- إن وزارة الصحة مسؤولة عن الحريق لأنها استلمت منشأة غير كاملة السلامة.
- إن الحادث لم يكن ليحدث لو أن صُممت المنشأة بمعايير السلامة.
هذه ثقافة جديدة لم نتعود عليها من قبل! وهي ثقافة تبشر بالخير وترفع طموحاتنا في أن نكون بمستوى مجتمعات متقدمة تسودها ثقافة الاعتراف بالخطأ عند وقوعه والاستفادة من الأخطاء لكي يتم تجنُّب الوقوع فيها مرة أخرى.
عندما أعلن وزير الصحة المهندس خالد الفالح، بعد وقوع الحادثة مباشرة، أنه يتحمل الخطأ باعتباره وزيراً للصحة ظن البعض أن الرجل يبالغ لأن مثل هذا الكلام جديد على أسماعنا، لكن الذين يعرفون تقاليد شركة أرامكو السعودية التي جاء منها الوزير لم يستغربوا كلامه وتوقعوا أن يتبعه إجراءات حازمة وشفافة.
لقد كانت حادثة حريق مستشفى جازان فادحة ومؤلمة، ولكن ما يجعلنا نتطلع إلى تصحيح الأمور هو الالتزام الذي قطعه وزير الصحة بـ»إصلاح جذري لما حدث» وكذلك «تقديم خارطة عمل في مجال السلامة والأمن لتكون المنشآت الصحية آمنة»، وما تعهد به الوزير من أن وزارة الصحة «ستطلق مشروعاً متكاملاً لمسح المنشآت الطبية كافة».
ما يهم المواطن، في نهاية المطاف، هو ترسيخ ثقافة الاعتراف بالخطأ عند وقوعه لأن الاعتراف بالخطأ هو الخطوة الأولى لعلاجه، ولعل حادثة حريق مستشفى جازان رغم مأساويتها ورغم الثمن الفادح المدفوع تكون نقطة انطلاق لمنهجية جديدة في التعامل مع الأخطاء وتصحيحها.