كوثر الأربش
مالذي دفع عبدالجبار الحمود (18ربيعًا) لفضاء العلم، ودفع شابا آخر في مثل سنه بالضبط للانضمام للإرهاب والتخريب والفوضى والجريمة؟. منعطف ما، نقطة تحول، أم مشروع متكامل ومدروس؟. لم نكن نعرف هؤلاء الشباب. عرفناهم لأنهم صنعوا شيئًا، لأنهم تركوا أثرًا، ونحن وكالعادة ليس علينا أكثر من أن نستبشر أو نستاء، نصفق، أو نلعن. هكذا نتلقى أخبارهم ثم ننساهم. وربما المجتمع ككل لا يقوم بأكثر من ذلك.
الموارد البشرية استثمار وحين أتحدث عن هذا الاستثمار، لا أعني أن نغرد في تويتر، أن نرص الكلام، ثم نتركهم لوحدهم يواجهون مصائرهم، نتركهم للصدف، لطموحاتهم التي قد تتحول لأحلام مستحيلة. «الحمود» ونقيضه الذي اختار الإرهاب والفوضى والضياع، عاشا في ذات المساحة الجغرافية، وشربا من المنبع الدراسي والاجتماعي ذاته، مالفرق؟ هذا السؤال، ليس موجها للمجتمع، بل للجهات المختصة، مؤسسات الدولة، مراكز الموهوبين، وزارة التعليم، مراكز الحوار الوطني، مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا، كاوست،.. وكل جهة تعنى بالشباب وبمستقبل هذه البلاد. «الحمود» قصة نجاح، وقصص النجاح لا تُعامل كخبر زواج صديق أو وفاة آخر، لا تواجه بالتبريكات أو التعازي. إنما تعامل كمادة ممتازة، واقعية، وقابلة للاستثمار لأبعد مدى. خطة تبدأ بدراسة شاملة لواقع هؤلاء الشباب، محيطهم الأسري، ثناياهم النفسية، منابع ثقافتهم، نقاط التأثير في تكوينهم العقلي، أسباب تفوقهم أو جنوحهم. مثلا هل وقفت يومًا أمام لوحة تشكيلية؟. هل تتبعت بنظرك لطخات الفرشاة، نقاط ذوبان الضوء في الظلال؟ اندماج اللون؟. هل دفعك الفضول لأن تغافل الجماهير وتلمس بأصابعك نتوءات اللون؟ هكذا يفترض بالمختصين دراسة هذه الحالات بالكثير من الفضول والدهشة والفهم أمام قصص النجاح والجنوح على حد سواء. ليس هذا وحسب. أعني ليس علينا أن ننتهي بدراسة الطريق فقط ونعتقد أن ذلك يكفي للوصول، بل علينا كمسؤولين، ومهتمين بتأهيل الشباب، وبوضع حجر أساس لبنية تحتية متماسكة لمجتمع وطني وإنساني سويّ وفاعل، علينا أن نفكر جادين بمستقبل هؤلاء الشباب. بحيث لا تكون بداية قصة النجاح، هي نهايتها! حيث يشعر هؤلاء أنهم أمام باب مغلق، أنهم بلا فائدة. هناك في أعماق كل مراهق، رغبة داخلية مذهلة، ومتفجرة بأن يصنع شيئًا فارقًا. كنتُ يومًا ما مراهقة، وأعرف ذلك جيدًا، أنتم تعرفون ذلك الغليان الذي يدفعك لأن تقول للعالم: أنا موجود، سأصنع شيئًا مدهشًا. الأمر الذي يستغله صُناع الموت بأن يجعلوا المراهق يقتل نفسه والآخرين. باعتبار الموت دهشة، خلود وإنجاز! علينا أن ننشئ لهم بيئة حقيقية للاستمرار والمُضي، نقول لهم: نحنُ نراكم وننتظر أن تصنعوا غدنا.
ختامًا: ابني عبدالجبار، أنت وبقية أبناء هذا الوطن، بذرة سقتها مياهه، غدًا تكبرون، تُثمرون، فلتكن الثمار لأنفسكم وللوطن ولأجلنا، لأجل البشرية أيضًا.