علي حمود العريفي ">
تحديد مفهوم الانتماء الوطني والمواطنة وتأصيلها في النفس البشرية وجعلها سلوكا يترعرع وينمو في الإنسان منذ صغره مطلب وطني تحتمه المرحلة الدقيقة التى يعيشها الوطن المواطنة هي قيمة أخلاقية واجتماعية وسلوك لا يمكن معرفة المواطنة دون الإلمام المعرفي بماهية المواطنة ومستلزماتها وشروطها ومقوماتها. فالمواطنة غدت موضوعا في حقول معرفية متعددة لابد من معرفتها معرفة دقيقة للتمكن منها. ولنشرها كفكر إنساني وثقافة عامة، ولا بد أن يشارك المجتمع الإنساني في بلورتها وترسيخها فالمعرفة شرط جوهري في الإمساك بأساسيات المواطنة وترويجها وتسويقها في المجتمع، وحث الناس على تبنيها، والدفاع عنها ومطالبة مؤسسات المجتمع بتحقيقهاالمواطنة ليست ثقافة فئوية أو طائفية أو قبلية أو مذهبية أو مناطقية، وإنما هي ثقافة وطن بكل تنوعاته وأطيافه وتعبيراته لأن المواطنة توفر آلية العيش وسط التنوع والاختلاف وعلى المؤسسات الثقافية والتربوية اهمية تصحيح مفهوم الانتماء الوطني وتحديدا الاعتقاد السائد بأن المواطنة هي عبارة عن قصيدة تكتب في مدح الوطن أو مقالة تكتب في (اليوم الوطني ) أو هوية تحمل في الجيوب، أو أهازيج في الشوارع والميادين بل إن الوطنية الحقه شعور وسلوك يتمثل، وعطاء ومسؤولية وإخلاص للوطن وعلينا أن نسأل انفسنا هل استطعنا أن نرسخ مفهوم الانتماء والولاء والمواطنة فقهيا؟
المواطنة هي محبة الوطن محبة دينية ومحبة طبيعية، النبي صلى الله عليه وسلم حينما اخرج من مكة وهاجر إلى المدينة وقف والتفت إلى مكة، عليه الصلاة والسلام وقال: «والله إنك لأحب البلاد إلي ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت»، فمحبة مكة والمدينة هذه محبة دينية فوق المحبة الطبيعية، هل قمنا بصياغة النظرية الفقهية حول هذه المسألة؟
لأنه لا يمكن أن يتحقق الهدف بمقال فقهي أو فتوى فقهية، وإنما عبر عمل مؤسسي تتراكم فيه العطاءات والجهود حتى نصل إلى مستوى بلورة نظرية فقهية - إسلامية حول مسألة المواطنة.
لهذا فإنني ادعوا المؤسسات البحثية والفقهية، إلى العناية بهذه المسألة، وتخصيص ندواتهم ومؤتمراتهم القادمة حول هذه المسألة بكل جوانبها وأبعادها. والاتجاه لفكر الشباب وتخصيص بعض الملتقيات مع الشباب والحوار معهم وتبصيرهم عن معنى الولاء والانتماء وحب الوطن لتحصينهم من الفكر الضال. الشباب اليوم يتعرض إلى تجاذبات ثقافية وإعلامية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وبث سموم في أفكارهم تهدد الوطن وتفتت الانتماء والمواطنة في داخلهم على العلماء والمفكرين والمثقفين والإعلاميين بث ثقافة مفهوم الولاء للوطن واستشعار حب الوطن وبث القيم الاجتماعية والتربوية واستنهاض العمل التربوي والاجتماعي في هذا الجانب لأنها من المسائل الحيوية التي تؤثر في واقع الشباب اليوم ومنهجتها ضمن قضايا التربية المعاصرة للتعاطي الإيجابي والفعال مع كل مقتضيات الوطن.علينا تحديد مفهوم المواطنة وتجذيرها في النفوس للنشء وجعلها سلوكا يترعرع وينمو في الإنسان منذ صغره لأنه متى ما تولد هذا الشعور أصبح لدينا منظومة من المبادئ والقيم والسلوك والعادات تسهم في تشكيل شخصية المواطن وتمنحها خصائص تميزها عن غيرها، وبهذا يصبح الموروث المشترك حماية وأمانا للوطن وللمواطن، فالمواطن يلوذ به عند الأزمات ولكنه أيضا يدافع عنه في مواجهة التحديات ويكون ذلك من خلال المشاركة الإيجابية في أنشطة المجتمع، الدفاع عن مصالح الوطن، والشعور بالفخر والاعتزاز بالانتماء للوطن، والمحافظة على ممتلكاته، لأن المواطن لا يستغني عن الوطن والوطن لا يستغني عن المواطن، فوجود أحدهما واستمراره المعنوي رهين بوجود الآخر واستمراره لأن حب الوطن فطرة فطر الله الإنسان عليها، وإن لرقي أي وطن من الأوطان وتقدمه وسعادته لابد من وجود مواطنة واعية يتم في ظلها الرقي المأمول والتقدم المنشود والسعادة المرجوة؟ إن الوطنية الحقه شعور، وسلوك يتمثل، وليس مزايدة تتبدل، المواطنة بقدر ماهي هوية تجسدها البطاقة الشخصية، فهي في ذات الوقت عطاء ومسؤولية وإخلاص للوطن، فالمواطنة إذا لم يصحبها مسؤولية تجاه أمن الوطن فهي لا تتعدى كونها هوية تحمل في الجيوب، إن الانتماء يقترن بالإخلاص للوطن، فالعامل في عمله والموظف في وظيفته والوزير في وزارته يجب أن يكون الإخلاص دافعهم في خدمة وطنهم وحمايته والدفاع عنه، وألا تظل المواطنة ناقصة أو شكل تجسده البطاقة الشخصية علينا من كل الجهات تطوير مفهوم المواطنة لي تتواكب مع النقلة الحضارية التى يعيشها الوطن. الانتماء يبدأ تصاعديًّا بانتماء الإنسان لنفسه، من خلال سعيه لأن يكون الأفضل؛ بتنمية مهاراته وقدراته، وإثبات نجاحه وتفوُّقه، باعتبار أن هذا النجاح والتفوق وسيلة مثلى للتواصل مع غيره، وإذكاء روح المنافسة الإيجابية....، ثم بالانتماء إلى أسرته (وطنه الصغير)، من خلال الترابط العائلي وتنمية روح المشاركة بودٍّ وحب وتآلُفٍ وتناغم، وبداية الإحساس بالمسؤولية الجماعية،... ثم الانتماء للممتلكات العامة في الشوارع والميادين والانتماء للبيئة وعناصر البيئة وعدم تدميرها ثم الانتماء لأنماط المجتمع وسلوكياته وهويته الثقافية التى هي روح المجتمع مبادي الدين والسلوك الإنساني الراقي مع الغير الذي يعكس ديننا وسماحة ديننا ومبادئ مجتمعنا إذا الانتماء هو منظومة قيم نستشعرها لتنطبع على ذواتنا سلوك المواطنة الحقة والانتماء الحقيقي هي أن تعلم ما لك وما عليك، وأن تعمل من أجل خدمة وطنك بصورة صادقة وأمينة، وذلك من خلال جميع الأعمال التي تؤديها في مجتمعك الصغير أو الكبير، فنحن كمواطنين يجب علينا أن نواكب مرحلة التطوير التي تحدث في بلادنا في جميع مناحي الحياة، والتي هدفها الأول والأخير خدمة المواطن وتحقيق المزيد من طموحاته ورفاهيته، عندما نمارس المواطنة الصحيحة والتي تتمثل في دورنا الاجتماعي بصورة واضحة في خدمة الوطن في جميع المناحي والحفاظ على أمنه واستقراره والدفاع عنه بكل ما أوتينا من قوة، وأن ندفع بكل ما عندنا من جهد وأفكار وطاقة للسمو بوطننا والعمل من أجل رفعته واستقراره وتحقيق النماء الدائم له.
فالمواطنة بهذ المفهوم هي بناء يتم بين مؤسسات المجتمع كافة إن الانتماء الحقيقي هو شعورك أن الوطن هو بيتك الكبير، وكل ما لا ترضاه لبيتك الصغير يجب أن لا ترضاه لبيتك الكبير. حتى يتعمق الانتماء الروحي المرتبط بحب وبهاء الوطن يجب ان لا تفرغ مفهوم المواطنة من معانيها العظيمة، فهي ليست انتماء الفرد لجنسيته والتزامه بقوانين الدولة فقط بل المواطنة أكبر وأشمل من ذلك بكثير، وبالتالي فإن المناط بالمواطن في هذه الحالة من العلاقة العظيمة بينه وبين وطنه أن يتجاوز كل اللحظات العابرة ويسكن وطنه قلبه؛ لأن هذا هو الانتماء الحقيقي وهذه هي المواطنة الحقة أن تعكس الصورة الحقيقية لمكتسبات وطنك وقيمته في الداخل والخارج وان تكون سفيرا لوطنك في كل بقاع الدنيا ومؤسسات الوطن الثقافية والتربوية عليها مسؤلية تعميق الولاء والانتماء تربويا في أعماق الطلاب والطالبات، فالمدرسة ليست مؤسسة تعليمية فحسب بل هي مؤسسة ثقافية واجتماعية إلى جانب كونها مدرسة تربوية والمنهج التعليمي المعاصر والمدرسة الحديثة تنادي بذلك انطلاقا من مفهوم المنهج الشامل والمعاصر الذي يعتبر المقرر الدراسي جزءا من المنهج الشامل الزاخر بألوان من البرامج التربوية الميدانية التى تغرس الولاء والانتماء للوطن من خلال دمج الطلاب بالمجتمع في الزيارات والرحلات للمؤسسات الحكومية والخاصة تعزيز قيم الانتماء للوطن في نفوس الطلاب والطالبات ضرورة لحماية الوحدة وتكريس النسيج الاجتماعي وحماية اللحمة الوطنية وتعزيز قيم الانتماء ليس مجرد مطلباً لتأكيد معنى الوطنية أو شعاراً يرفع في المناسبات المختلفة بل أصبح مسؤولية حقيقية للحفاظ على وحدة بلادنا وتأكيد مكتسباته لمزيد من الاستقرار والرخاء والأمن والإنجازات ومواجهة التحديات والمستجدات التي يمكن أن تمثل تهديدات لهذه الوحدة، ولا يمكن تعزيز قيم الانتماء في نفوس الناشئة والشباب إلا من خلال ربط المناهج الدراسية بالوطن وأهدافه واحتياجاته لغرس حب الوطن في الأجيال الناشئة منذ الطفولة ومنهجتها ضمن قضايا التربية المعاصرة للتعاطي الايجابي والفعال مع كل مقتضيات الوطن؛ وتجسير العلاقة بين الأسرة والمؤسسات التعليمية لتطوير خطط التعليم بما يخدم الوطن والمواطن، وقيام التعليم العالي والمؤسسات التعليمية بورش عمل لتطوير وتعزيز مفهوم المواطنة لدى المواطنين وتنظيم ملتقيات ثقافية تحقق ذلك.واعتمادها في مناهجها على العمل التطوي للحفاظ على مكتسبات الوطن ودمج الطلاب والطالبات بالمجتمع ومنهجة العمل التطوعي في مفردات المنهج المدرسي في أي مجال من مجالات الخدمة المجتمعية هو بمثابة إثبات على غرس قيم الوطنية والمواطنة وحب الوطن في نفوس الطلاب والطالبات وحث الأسرة على متابعة ذلك لأنها هي التي تتبنى العمل التطوعي أكثر من غيرها، وهي بانية الأجيال لهذا يكون دورها مهم في غرس قيم الوطنية والانتماء والولاء للوطن وتأكيد دور المرأة في الشراكة في التنمية المجتمعية وتعزيز دور الأمهات السعوديات بالاهتمام بالغرس في الأبناء، من خلال العناية والرعاية، والتربية السليمة، وحمايتهم من الانحرافات الفكرية فالغراس في الأبناء من الصغر سيكون باذن الله قطافه يانعا وإيجابيا ينبغي أن ينصهر الكل في الوطن، وأن تقدم مصلحة الوطن وأمنه ووحدته على كل المصالح الفئوية أو الطائفية أو القبلية، ينبغى أن تقدم روح المواطنة على ما سواها،
في الآونة الأخيرة بدأت ظاهرة التصنيف بين أوساط المجتمع هذا المفهوم له خطره على اللحمة الوطنية وعلى الوطن وأمنه السكاني والجغرافي والتصنيف يولد الفرقة والصراع الفكري وهو ما يؤثر سلبا على هويتنا الثقافية وقيمنا الاجتماعية وصورتنا الحضارية والتي نحن بأمس الحاجة لها في هذه المرحلة الدقيقة التي يعيشها الوطن من تحديات الفرقة والانقسام وأهمية تغليب الأمن الفكري والسلم الاجتماعي ونبذ الفرقة الفكرية والاجتماعية وتغليب مصلحة الوطن وثقافته وأمنه ما أحوجنا إلى تعزيز شعور المواطن بواجبه تجاه الوطن على المستوى الفكري والأخلاقي والإنساني حمى الله الوطن وأبنائه من كل مكروه.