أ. د.عثمان بن صالح العامر
القرن الحادي والعشرون قرن التواصل بامتياز، وهذا ما يميّزه عن سابقه من القرون، فالعبقري الذي لا يستطيع أن يتواصل هذه الأيام هو في نظر «نيدو كوبين» عاجز فكرياً، والمؤسسة التي لا تستطيع التواصل لا تستطيع التغيير، ومتى كانت كذلك فهي مؤسسة ميتة. ولذا تشير التقديرات إلى أن 85? من نجاح الإنسان في عمله والمؤسسات في نشاطها يعتمد بصورة مباشرة على التواصل الفعال والمهارات الاجتماعية الناجحة.
ولكون المقال يحاول أن يقرأ خبر إعلان البيت الأبيض الأمريكي منتصف الأسبوع الماضي فتح حساب على (السناب شات) بعد أن صار متواجداً على الفيس بوك وتويتر، فإن الدراسات المسْحيّة تقول إن المديرين التنفيذيين في الولايات المتحدة الأمريكية يقضون 94% من وقتهم في التواصل.
وفي استطلاع أجراه « جميس كوزيس» و»باري بوستر» لمعرفة رأي 7500 مديرٍ على مستوى أمريكا في الصفات التي أعجبتهم في رؤسائهم، كانت الصفات الثلاث الأهم هي:
* القدرة على الإلهام.
* القدرة على تفهّم العلاقات الصحيحة مع الآخرين.
* القدرة على مخاطبة المشاعر.
وهذه الصفات جميعاً تعبر عن نفسها من خلال التواصل.
قد يعتقد البعض أن البيت الأبيض وما شاكله أو قارب منه ليس بحاجة إلى بث رسائله على الفيس أو تويتر أو سناب والتواصل مع الشعب بالطريقة التي يفرضها المستقبل وبالأسلوب الذي يروق له، فهو صاحب السطوة والسلطة العالمية، وكلمته مؤثرة ونافذة، وقراراته نهائية ولا رجعة فيها، ويغيب عن هؤلاء المعتقدين بهذا القول أن النظام الديمقراطي يتخذ من الرأي العام وقوداً له لضمان البقاء والاستمرار والمحافظة على الوضع المرغوب به والمخطط له، فضلاً عن أن هذه الثقافة فرضت نفسها بشكل كبير في مجتمعات العالم الأول.
إن القراءة الأولية للخبر وما يترتب عليها من تحليل ومقارنات توجب الإشارة إلى أمور مهمّة هنا، هي بإيجاز:
* أن العالم الافتراضي لم يعد مجرد ميدان للتواصل الاجتماعي الفردي، بل فرض نفسه على أعلى مؤسسة سياسية في الدنيا « البيت الأبيض « ليكون حاضراً في حساباته المختلفة، متواصلاً مع الناس، كل الناس، عبر قنوات التواصل الشبابية الحديثة، ولذا يجب على دوائرنا الحكومية ومؤسساتنا الخاصة وجمعياتنا الأهلية والخيرية أن تغير مفاهيمها الإدارية أولاً، ومن ثمّ تعيد نظرتها في مفهوم التواصل وآلياته، فنحن في القرن الحادي والعشرين، ومع ذلك ما زال بعض المسئولين يعتقد أن في إمكانه التواري عن الجمهور وعدم الاكتراث بالرأي العام، وفي الوقت نفسه ما زالت بعض مؤسساتنا لا تحسن إدارة مواقعها الإلكترونية، فضلاً عن أن البعض منها ليس له موقع على الشبكة العنكبوتية بعد !!.
* تربية الجيل على امتلاك مهارة الفرز والاختيار، وهذا يتطلب تنشئتهم على الصدق والأمانة في القول والنقل، كما يوجب علينا الحوار معهم حواراً يتولد منه ومعه ما يسمى بـ»مقاومة الإقناع»، إذ إنّ سهولة التعامل مع هذه المنجزات الحضارية الحديثة جعلت الكل قادرًا على إيصال صوته بالطريقة التي يرتئيها، وربما انخدع الغرّ بشخصيات لها حضورها العالمي من خلال عدد المتابعين والتعليقات فصار يوماً ما ضحية التواصل الخاطئ والثقة العمياء.
* تأكيد أهمية إدارات الإعلام والعلاقات العامة في قطاعاتنا التنموية الثلاثة، خاصة «المتحدث الرئيس « الذي يجب أن يكون ذا مواصفات خاصة تؤهله للقيام بمهمة التواصل مع الكل برؤية المتخصص ومهارة الخبير، وهذا يعني إخضاعهم لدورات تدريبية تصقل ما يمتلكون من قدرات، وتعزز ما يجيدون من معارف وعلوم، فهم من تقع عليهم -بصورة مباشرة - مسئولية توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لنقل الصورة الحقيقية لمؤسساتنا التنموية، ويُؤمل أن يتحقق على أيديهم بناء صورة ذهنية إيجابية متوازنة لا مغالية ولا جافية للقطاع الذي يمثلونه أمام المجتمع.
* لقد ولّد العالم الافتراضي لدي البعض من الجيل الجديد حالة من الانفصام الذهني وازدواجية الشخصية، حتى صار يرى ما هو أشبه بالحلم حقائق واقعية، فالأصدقاء عنده من جميع بلدان العالم، والمعجبات في كل مكان، والمعلومات بضغطة زر، والعالم كله بين يديه، ولكن كل هذا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.
يجب ألا يُنسى الواحد منا من هو وما هي رسالته في الحياة، وما يعني كونه يعيش في عالم الحقيقة لا الافتراض. دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.