العوجا.. نخوة ارتبطت بأرض الدرعية تلك المدينة التاريخية التي تثير اهتمام رجال التاريخ والأدب إجلالاً لروعة التاريخ، الذي تحمله آكام ورمال هذه الأرض الطيبة.. تلك المدينة التي هي منبت العروبة وموطن الإسلام، لها ماضٍ باهر حافل بالذكريات العظيمة.. ويكفي أن نقول إنها مثوى لأبدع وأروع ما تمخضت عنه عبقرية الرجال المخلصين، فكانت مجللة بروعة الخلود، تلك الروعة أسبغت عليها لوناً سياسياً يزينها بكل ما ازدانت به هذه العصور المجيدة التي مرّت بها على مراحل التاريخ، التي احتضنت دعوة التوحيد وأسفرت عن بناء دولة المملكة العربية السعودية راسخة قوية وذات نفوذ واسع..
إن هذا الافتخار أصبح مرتبطاً بالمكان الذي ارتبط به أيضاً افتخار آخر؛ هو الانطلاق من خلالها للدعوة إلى العودة إلى الدين الصحيح وامتدت آثارها إلى أماكن كثيرة.ولقد وثق الشعر هذا الانتخاء فقد قال الملك فهد - يرحمه الله- في بيت من الشعر بلغ صداه الآفاق في إحدى قصائده:
حنا هل العوجا.. ولا به مراوات
شرب المصايب مثل شرب الفناجيل..
.. واليوم، نعيش جميعاً أجواء وطنية تعبق بالفخر والاعتزاز وبفيض من مشاعر الغبطة والسرور، وبنظرة مفعمة بالإيمان والأمل..
اليوم.. يتجدد الزمن وتتجدد الذكريات.. نعيش مرور عام على بيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز فارس هل العوجا، الذي حول الرياض - إبان كان أميرها - من بلدة صغيرة من اللبن والطين إلى مدينة عصرية بسواعد البناء والتطوير فأصبحت درة تخطف الألباب تملأ الروح وحياً من معارجها.. جنباً إلى جنب مع بناء الإنسان.. فأنجبت خلال عمرها الطويل ثبتاً باهراً من العلماء والعظماء والزعماء والوزراء، وزودت مملكتنا الحبيبة بمئات من أبنائها البررة الذين عملوا على تقدمها، واضطلعوا بالمهمات الجِسام في مختلف نواحي نهضتها الحديثة والدفاع عن سمعتها في المحافل الدولية.
.. إنه سلمان بن عبدالعزيز رجل السياسة والتاريخ.. وهو بقيادته الفذة في مجريات الأحداث وبحسه السياسي والتاريخي وعقله الراجح رأيناه في خضم الأحداث التي يمر بها العالم يتعامل معها بخبرة المحنك الخبير بواقع العلاقات الدولية، لا تمنعه وعورة السياسة ولا المصاعب والعقبات مهما كان نوعها عن مواصلة السير في خدمة هذا الوطن العزيز، إنه بذلك يثبت بأنه ذلك السياسي البارع الذي تستحق أقواله وأفعاله عناية أهل الرأي والبيان، ذلك التاريخي الكبير الذي لم تكن تجره قراءة الأحداث التاريخية يوما من الأيام في دنيا المعارك السياسية إلى التحيز، فهو بعظيم مركزه ومنزلته مثال للعدل والمساواة.. وفي مجالسه المفتوحة - يحفظه الله - لا تكاد تمر مناسبة إلا ويصف لنا ما مرت به الدولة من محن ومصاعب وما سمت إليه من مجد وعظمة، ليس من باب كشف الماضي فحسب وإنما تقديرا للماضي، لنعبر به إلى الحاضر المُشرق.
.. إنه الشخصية التي لاقت اهتمام زعماء وملوك العالم لما يتمتع به من حضور وإمكانات الريادة والقيادة. ومهما كتبت فإنني لن أحيط بآفاق هذه الشخصية المترامية الأطراف التي تحمل ملامح إنسانية كثيرة جديرة بالإكبار والإعجاب، ولا يستغرب منه ذلك لكونه ممن اشتهر بالتأسي والاقتداء بسيرة والده المؤسس الذي ضُرب به المثل في العدل والحكمة، والحق أقول أن له خصائص على نسق ملامح وشخصية والده الملك عبدالعزيز- يرحمه الله - مؤسس هذا الكيان العظيم.
.. اليوم، يكتب الشعب السعودي بمداد من الفخر هذه الذكرى في صفحات التاريخ الذي جاء على يد فارس من فرسانها تتويجا لتضحيات جسام قدمها لهذا الوطن، وفي ركابها تعيد إلى الذاكرة أريج منجزات وتضحيات الآباء والأجداد وقد زرعوا لنا فسائل العمل الوطني لنجني ثمارها آمنين مطمئنين على تراب هذا الوطن العزيز.
.. عام فقط.. توجت فيه الإرادة الوطنية ملكاً وحكومةً وشعباً لحماية هذا الوطن من كيد الأعداء وشرور الأشرار، تحت راية التوحيد الخالدة، ليجتمع أهله من أقصى الجنوب إلى الشمال ومن أقصى الشرق إلى الغرب على أنبل معاني التكاتف والتعاون والولاء.
..عام مشهود كُتبت فيه قصة الوطن، بأيدٍ سعودية قادرة على التكيف والتعامل مع الأحداث بنضج ووعي ومسؤولية، لتصنع أقوى لحمة وطنية في التاريخ يسير شريان الحياة فيها على أساس من العقل والإرادة والإيمان.
.. هنا لا بد لنا من وقفة مع قراءة الصفحات البطولية في سفر التضحيات والأدوار العظيمة الخالدة التي بذلها الرجال وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، هؤلاء العظماء الذين استطاعوا بعميق حبهم، ونبل مقاصدهم، وصدق إرادتهم، وقوة صبرهم، وعظيم تضحياتهم - كل في موقعه - أن يسطّروا أروع الأمثلة في حب الوطن، فأسسوا تاريخ أمة أرادوه أن يكون مشرقا ومفعما بكل ما يضمن الحق والعدل.
إننا أيضا ونحن نستذكر جنودنا البواسل على الحد الجنوبي أولئك الأبطال مستلهمين من روحهم الوطنية ومن أدوارهم البطولية، نستخلص الحقائق والعبر المهمة؛ فتوحيد هذه الأرض الطاهرة لم يكن منحة أو تنازلا من أحد بل كان انتصارا واستحقاقا ناله هؤلاء الرجال بتقديم أغلى التضحيات سواء بالسلاح أو الكلمة، إنها دماء الأبطال وعزائم الرجال التي صنعت المعجزات فكسرت حاجز الزمن وحلقت في فضاء التاريخ في وقت ماجت فيه الشعوب والجماعات وتمخضت أيامه بالأحداث الجسام.. فيه المصائب تتوالى من ذات اليمين وذات الشمال، كل يقارع ضد الفناء.. إلا إن أولئك الرجال الذين آمنوا بأهمية الإنسان والأرض، استطاعوا أن يصهروا تلك الأحداث في بوتقة الوطنية ويرفعوا راية الوطن متوحد اللبنات ليتبوأ المكانة اللائقة به بين الدول بما يتناسب وقدسية أرضه ورسالته العظيمة وإسهاماته الفاعلة في بناء الحضارة الإنسانية.
.. وليعلم الجميع انه وإن انتهى واجب الآباء والأجداد في كفاح الوطن، فقد بدأ واجبنا نحن.. وبكل فخر فإننا على أكمل الاستعداد في حماية منجزاته وإعلاء صروحه وصيانة وحدته والحفاظ على هويته ومقوماته والدفاع عن مقدساته وتعزيز نهضته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن نكون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وأن نواجه المستقبل أمة واحدة متماسكة قوية، حتى يبقى وطننا مثالا يحتذى به، مناراً للثقافة وواحة امن واستقرار لكل من يعيش على ترابه الطاهر من المواطنين والزائرين من الحجاج والمعتمرين..
.. في هذه اللحظات التاريخية ارفع أغلى التهاني إلى مقام الوالد خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد- يحفظهم الله - وهم يقودون المسيرة المتواصلة لنطل على العالم بنهضة حضارية وثقافية واقتصادية وسياسية رائعة ستظل إلى الأبد محط أنظار الجميع لنواصل دورنا الطليعي برعاية الله.
فهنيئا للوطن بهذه القيادة وهذا المواطن، وهنيئاً للمواطنين بهذا الوطن، الذي ستظل إشراقته تضيء دروبنا..لا حمى أعز من حماه وإن حاول الطامعون أن يتناوشوه من كل جانب فإنه لن يكون لهم غير العذاب في ميادين القتال، وبئس المصير.. حفظ الله بلادنا وقيادتنا وشعبنا من كل سوء ومكروه.. والله من وراء القصد.
عبد العزيز مسفر القعيب - الرياض