محمد بن إبراهيم فايع ">
في واحدة من زياراتي المدرسية، طلبت من مدير المدرسة أن نتجول في فناء المدرسة أثناء تناول الطلاب لوجبة الإفطار « الفسحة « استوقفني معلم للصف الأول، ثم شكا لي من كثرة حركة بعض تلاميذه في الفصل، وعدم استقرارهم لوقت طويل على مقاعدهم، فقلت له: هل تعلم أن تحرك أطفالك طالما أنه في حدود مقبولة، أن هذا أمر طبيعي، لأن سيكلوجية الطفل تعود أن يتحرك، بحكم أن لديه فائضا من الطاقة والحركة والنشاط، وعليه فهو يجد الرغبة في تفريغ هذه الطاقة من خلال (اللعب) ولهذا فلا تنزعج، لكن كمعلم للصفوف الأولية عليك استثمار هذه الطاقة الحركية عند تلاميذك استثمارا إيجابيا في الحصة، فمثلا عندما تخطط لدروسك، عليك أن تخطط لعدد من المناشط (التعلمية) التي تعتمد على المشاركة بين التلاميذ في أساليب تعلم جمعي، وعلى المسابقات التي فيها حركة مصاحبة للتفكير، فاللعب أهم ما فيه، أنه يعد مدخلاً طبيعياً للطفل ليحقق (النمو الحقيقي العقلي، النفسي، العضلي) وامتلاك القدرة على كسب مهارات لازمة له في حياته، وأهمية في بناء شخصيته، ودعني أعطيك خبرة لازمة في هذا الشأن، في مرة كنت في زيارة معلم في الصف الثالث، وذكر لي أنه عانى مع تلاميذه في (تحفيظهم) أناشيد، وكلما جاء اليوم التالي ليسّمع لهم وجد أن أغلبهم لم يحفظ جيدا، فقلت له، أولاً: يجب أن تتأكد أن كل تلاميذك قرأ معك الأنشودة وأنشدها في الفصل، ثانياً: عليك أن تتبع أسلوبا تدريسيا نشيطا شيقا لتحفيظهم، والأساليب في هذا متنوعة وكثيرة، ثالثاً: اعتمد الجانب التعزيزي فهو أمر مهم، رابعا: عليك الميل للمسابقات والأنشطة الحركية التي تجعلهم يخرجون من أجواء الفصل الرتيبة، واحرص على أن يمتلكوا مهارة إطلاق العنان لخيالاتهم البعيدة، وتفكيرهم، من خلال «التخيل» أكثر من أنشطة (تخيلوا أنكم...) ثم استأذنته في تنفيذ الموقف التعليمي لتلاميذه، فطلبت من تلاميذه التحرك إلى وسط الفصل، ثم طلبت منهم، أن يكوّنوا خلفي قطارا، وقلت لهم أنا القائد للقطار، وبعد فترة سأنسحب لأسّلم لمن خلفي قيادة القطار، وأعود أنا في الخلف، وهكذا كل تلميذ عليه بعد قيادة القطار البشري، أن يعود للأخير، ثم بدأت أنا بترديد البيت الأول، وهم يرددون خلفي ونحن نسير بحركة القطار، ثم انسحبت وجاء تلميذ ليقود القطار، ويردد البيت الثاني مع البيت الأول ونحن نكرر، ثم انسحب، ليأتي تلميذ ثالث ليقود قطارنا، فيردد البيت الأول مع الثاني مع الثاث والجميع يكرر، واستمررنا بهذا الشكل حتى حفظ الجميع الأنشودة المكونة من 8 أبيات شعرية، خفيفة سهلة ذات معنى، عندها بدأ التلاميذ يتنافسون في التسميع للمعلم، الذي كان مبهوراً مما حدث خلال دقائق، ولهذا يجب على معلمينا وبخاصة في الصفوف الأولية، ألا يحرموا طلابهم الحركة، ولا يحاولوا تقييد حركتهم، واعتبار هذا فناً جيداً في إدارة الصف، فهدوء التلاميذ الشديد عند المعلم، يعد مؤشراً على أنه ليس لدى المعلم أنشطة مخططة للتعلم، وأن الفصل بهذا الشكل سيكون كئيبا، منفرا، لخلو بيئة الصف من النشاط الحركي واللعب، وهذا أحد أسباب نفور تلاميذنا من المدرسة، أو من المعلم، والتحجج بالغياب لأنهم لم يجدوا من يشبع رغبتهم في اللعب والترفيه.