يوسف المحيميد
منذ كارثة مستشفى جازان، والجميع يتحدث عن العيوب والأخطاء الإنشائية، وقصور الإخلاء عند الكوارث، وغيرها من الكلام العام الإنشائي الذي نردده في مقالاتنا، لكن لا أحد تناول التفاصيل الصغيرة التي تحدث في مستشفياتنا الحكومية بشكل عام، حتى شاءت الظروف أن تجمعني بأحد العاملين في القطاع الصحي لسنوات طويلة، فأخبرني بتفاصيل قد لا ننتبه لها، هي السبب الأول والأخير في كارثة مستشفى، وقد تكون السبب في كوارث قادمة في مستشفياتنا لا سمح الله!
لا شك أننا نهتم عند إنشاء معظم المستشفيات الحكومية بتخصيص سلالم وأبواب للطوارئ، لكننا بعد تشغيل المستشفى نقوم بغلقها بالسلاسل والأقفال، حتى تصبح بلا قيمة إطلاقًا، ينتفي الهدف منها، ويصعب فتحها أو استخدامها عند الكوارث، فلماذا يحدث ذلك؟ السبب ببساطة أنّ هذه الأبواب تستخدم لتسلل الزائرين في غير وقت الزيارة، أو دخول المرافقين غير المصرح لهم، أو تهريب المأكولات الممنوعة على مريض منوَّم، أو تسرب العاملين في المستشفى أثناء وقت الدوام الرسمي، بدلاً من استخدام المداخل الرئيسة، هروبًا من استخدام البصمة عند الخروج والدخول، وغير ذلك من الأسباب التي تعكس جهل المواطن الذي يتفنن في كسر الأنظمة، كمن يهرِّب أنواع أكل محظورة على مريض السكري أو ما شابه، أو عدم مسؤولية الموظف في مستشفى يتطلب منه العمل بانضباط وإخلاص وإنسانية!
ما العمل إذن؟ بصراحة لم يعد مجديًا القول بتوعية المواطنين بلافتات وإرشادات، وتلقينهم النظام واحترامه، ولا توعية الموظف وتربيته على الانضباط، رغم أهمية كل ذلك، إلا أن الحل الأسهل والأسرع، هو ترك أبواب الطوارئ من غير سلاسل وأقفال، مع إضافة كوادر الأمن (السكيورتي) على جميع مداخل المستشفى، بما فيها أبواب الطوارئ، ذلك هو ما سينهي هذه الكوارث المخيفة بإذن الله.
ولعل الأمر الآخر، وهو الأكثر أهمية، هو عند تنفيذ تجربة الحريق الوهمي، التي يجب أن تكون تجربة متكاملة الشروط، كأن تكون مباغتة، حتى تكون درجة التقييم صحيحة، وغير مزوّرة، لكن ما يحدث في معظم المستشفيات، هو أن تقوم إدارة المستشفى بإبلاغ الدفاع المدني قبل التجربة بيوم، مما يعني أن سيارات إطفاء الحريق تكون جاهزة تماماً، والجميع على أهبة الاستعداد، وقد غادروا ملعب كرة الطائرة، وانتظروا أن تحين الساعة المحددة، لذلك تكون سيارات الإطفاء متواجدة أحياناً في الموقع قبيل التجربة بدقائق، وهذا عمل غير سليم،. ولا يكشف الواقع، بكل ما يحمله من أخطاء، كاحتمال تأخر سيارات الإطفاء، وكذلك الأمر لجميع العاملين في المستشفى سيكونون على أتم الاستعداد، ولا يمكن أن يكون أحدهم خارج المستشفى كما في الواقع، لذلك تكون درجة التقييم للتجربة كالعادة 100%، لكن هذا يتكشف عند حدوث أول حريق حقيقي، وتكون نتيجته عشرات الضحايا والمصابين!
من هنا، ومن مثل هذه التفاصيل الصغيرة، التي يمكن أن يدلي بها العاملين في هذه المستشفيات، ممن يشعرون بالمواطنة والمسؤولية، نستطيع أن نكتشف ما يحدث، وبالتالي نعالج هذه المشاكل العادية، ونراقبها باستمرار.