د. هلال محمد العسكر ">
في زمن «اختلاط المفاهيم» أصبح التعليم تدريباً، والتدريب تعليماً، وأصبحت الجامعات تدرب، والمراكز التدريبية تعلم!!
لا أظن أن أحداً -اليوم- يجهل الفرق بين مفهوم التعليم ومفهوم التدريب، أو لا يعرف أن الخلط بينهما، ضرره أكثر من نفعه، ومن النوع الذي يفسد للود قضية.
تحدثنا كثيراً عن الفرق بين التعليم والتدريب بهدف تصحيح الفهم لدى من لا يزالون يخلطون بينهما، ويرسمون سياسات خاطئة نتيجة لذلك، وذكرنا فيما ذكرناه أن التدريب له رؤية ورسالة وأهداف وطرق ووسائل وأساليب تختلف تماماً عن التعليم، وأن التدريب عبارة عن نشاط مستمر، هدفه تزويد الفرد بالمهارات والخبرات والاتجاهات التي تجعله قادراً على مزاولة عمل ما، وزيادة الإنتاجية له وللجهة التي يعمل فيها، أو نقل معارف ومهارات وسلوكيات جديدة لتطوير كفاءة الفرد لأداء مهام محددة في الجهة التي يعمل فيها، أما التعليم فهو عملية تنمية معرفية للفرد، لا تحتاج إلى هدف وظيفي محدد، ومن خلالها يتم تنمية القدرات الفكرية والتطبيقية وفقا لحاجة الفرد والمجتمع بصفة عامة.
وبناء على ذلك نقول: إن الجامعات مؤسسات تعليم تعد للحياة، ومراكز التدريب مؤسسات تدريب تعد للعمل، وبالتالي فإن تعدي الجامعات على المراكز التدريبية وممارسة مهامها التدريبية، والدخول في منافستها في تنفيذ برامج التدريب، يعتبر تجاوزاً غير مقبول، علمياً وعملياً واقتصادياً، ونتائجه لا تخدم إنساناً ولا تنمية ولا وطناً. ولو أن المسألة مسألة تشابه، وأن الفرق بين الجامعة ومركز التدريب فرق مسميات فقط، لما وجدنا أن لكل منهما أنظمته وتنظيماته المستقلة، وضوابطه وكوادره وأجهزته وتجهيزاته وطرائقه ووسائله وأساليبه المختلفة.
إن البوابة التي دخلت منها الجامعات لميدان التدريب، هي بوابة «خدمة المجتمع»، وكأن الجامعات لا تستطيع خدمة المجتمع من خلال التعليم الذي يعتبر هدفها الرئيس، أو كأن مراكز التدريب الأهلية لا تخدم المجتمع! ويحق لنا أن نتساءل: كيف لجامعات حكومية عتيقة، وأهلية ناشئة، أن تلجأ لمنافسة مراكز تدريب تعد من المنشآت الاقتصادية التي استثمر فيها أفراد المجتمع أموالهم ووقتهم وجهدهم خدمة للمجتمع وتنميته؟ ونتساءل هل سترضى الجامعات، أن تقوم مراكز التدريب بمهام تعليمية؟ ولماذا تشتيت الجهود والازدواجية؟ ولمصلحة من إضعاف مراكز التدريب الأهلية التي تقوم على أهم الصناعات، التي تعتمد عليها التنمية بشرياً واقتصادياً؟ كما نتساءل لماذا لا تقوم الجهات المعنية -الرقابية والمسؤولة- بمنع الجامعات من منافسة مراكز التدريب الأهلية في تنفيذ البرامج التدريبية، ودعمها لتحقيق الأهداف التي أنشأت من أجل تحقيقها؟ ونتساءل أليس التدريب صناعة؟ وليست مراكز التدريب من المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة، التي يعتمد عليها بنسبة كبيرة اقتصادنا، وتسعى الدولة بكل السبل لدعمها وتطويرها؟
حقيقة إن منافسة الجامعات الحكومية والأهلية لمراكز التدريب الأهلية في تنفيذ برامج تدريب من خلال مراكز خدمة المجتمع -في رأيي- تعدٍ ضرره جسيم، حيث تجبر بعض هذه المراكز نتيجة منافسة الجامعات لها، على البحث عن فرص أنسب خارج الحدود، أو أنها تخسر وتعلن إفلاسها، لأنها ليست مدعومة، ولا حتى معفية من الضمانات والرسوم المنهكة، وهو دور يتنافى وأهداف الجامعات ودورها في المجتمع.
المضحك المبكي، أن بعض الجامعات تعلن عن برامج تدريب، أخذتها بالكامل من مراكز التدريب، بدليل أن بعض هذه الدورات لا يوجد في الجامعة مختص واحد يستطيع تنفيذها، فتلجأ هذه الجامعات للبحث عن مدرب مختص أو التعاقد مع مركز تدريب لتنفيذها!
ختاماً، يجب أن تكون مصلحة الوطن فوق كل شيء، ويجب أن لا نخلط بين مفهوم التعليم ومفهوم التدريب، وأن لا ننسى أن للتنمية أولويات، ومهما يكن الأمر، ليس عيباً أن نكتشف الخطأ، ونرجع للصواب، وإنما العيب استمرارنا في الخطأ دون تصويب. والأمل أن تتخلى الجامعات ذات المهام والمسؤوليات الكبيرة، عن منافسة المراكز التدريبية الأهلية، وتتفرغ لتطوير تعليمها، وأن تقدم النصح والمشورة لهذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتتعاون وتنسق معها، لتقديم أفضل ما لديها، كجزء من مهام الجامعات، ودورها في خدمة المجتمع ومؤسساته التنموية.