د. عبدالرحيم محمود جاموس ">
لقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الثالثة والثلاثين للعام 1978م، تشكيل لجنة خاصة، تعنى بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف، وكُلفت بتقديم تقرير سنوي للجمعية العامة في دوراتها المتعاقبة منذ ذلك التاريخ.. كما اعتمدت يوم التاسع والعشرين من شهر نوفمبر لكل عام أن يكون يوماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وكأن الجمعية العامة للأمم المتحدة أرادت أن تكفر عن خطيئتها الكبرى، والتي أسبغت من خلالها مشروعية اغتصاب العصابات الصهيونية للجزء الأعظم من فلسطين من خلال توصيتها الشهيرة (بقرار التقسيم 181 لسنة 1947م)، والتي قضت بتقسيم فلسطين إلى كيانين هما (إسرائيل) والتي نفذت بالقوة وبالبطش وبالتواطؤ الاستعماري الدولي، ودولة فلسطين التي لم تر النور على أرض الواقع بعد، ورغم المعارضة العربية لقرار التقسيم ورفضها للاحتلال الإسرائيلي لبقية إقليم فلسطين، ورغم ثورة الشعب الفلسطيني، وانتفاضاته المتتالية على الاحتلال (الإسرائيلي)، لا يزال الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد على وجه الكرة الأرضية يرزح ويئن تحت وطأة الاحتلال (الإسرائيلي) الاستيطاني العنصري والعسكري، ولم تُقِمْ سلطات الاحتلال أي وزن لهذا الاعتراف الدولي بهذه الحقوق ولم تُقِمْ وزناً للاستنكار والشجب الدوليين لاستمراره.
في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني سوف نسمع الخطب الرنانة من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تؤكد على هذه الحقوق، وتشجب وتدين استمرار هذا الاحتلال البغيض، كما تسير المسيرات، وتعقد الندوات والمهرجانات، في العديد من عواصم العالم المنددة بالاحتلال، والمؤيدة للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، لكن الحقيقة الواضحة هي استمرار هذا الاحتلال واستمرار تغييب ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، ليس لشيء سوى لتقاعس المجتمع الدولي، وعجز الإرادة الدولية والمعبر عنها بقرارات مجلس الأمن عن القيام بدورها في مواجهة الاحتلال الصهيوني، واتخاذ القرارات والإجراءات والتدابير الواجبة، والتي يفرضها ميثاق الأمم المتحدة من أجل إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة هذه الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف حسب نص القرارات الأممية.
لم يُسلِمْ الفلسطينيون للاحتلال، وواصلوا كفاحهم بكل الأشكال والألوان، وابتدعوا الوسائل التي لا تخطر على بال، وفي كل يوم يؤكد الفلسطينيون شعباً وقيادة تمسكهم بحقوقهم المشروعة، وفي مقدمتها حق العودة الذي نص عليه القرار 194، وحقهم في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، رغم البطش والتنكيل اللذين يتعرضون لهما يومياً، على يدِ الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه.
في هذا اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين يملي على الفلسطينيين أولاً: التضامن مع أنفسهم ومع قضيتهم، من خلال ردم كافة الثغرات الداخلية التي ينفذ منها الاحتلال سعياً لإدامة احتلاله، وفي مقدمتها إنهاء الانقسام الذميم، وتجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية على مستوى المؤسسة والقيادة، والبرنامج السياسي، وترسيخ منهج حياة عامة مقاومة لهذا الاحتلال داخل وخارج فلسطين.. ولا يتأتى هذا دون إعادة بناء، وهيكلة صحيحة لكافة المؤسسات الوطنية، على مستوى كافة المنظمات الشعبية، والفصائل السياسية والوطنية، ومؤسسات السلطة الوطنية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومن هنا تأتي أهمية الدعوة لعقد مجلس وطني شامل وعام يقرُّ ذلك، وينتج برنامج كفاح وطني وقيادة وطنية قادرة على قيادة المرحلة، في ظل ما يشهده العالم عامة، والإقليم العربي خاصة، من تداعيات، وثانياً: الضغط على المجتمع الدولي فلسطينياً وعربياً للقيام بواجبه وما تحتمه الضرورة للحفاظ على الأمن والسلم في المنطقة وفي العالم، الذي يتداعى اليوم لمواجهة ظاهرة (الإرهاب الدولي) ويتغافل عن الإرهاب الصهيوني الذي يعتبر احتلاله لفلسطين ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني أبشع صور الإرهاب، وهو الموئل والمغذي لكافة أشكال الإرهاب الذي يتناسخ في المنطقة، ويتطاير شرره إلى أنحاء مختلفة من العالم، دون ذلك ستبقى حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، رهينة لهذا الاحتلال الغاشم، ويقتصر دور الأمم المتحدة على اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لإصدار القرارات والتوصيات السنوية التضامنية مع الشعب الفلسطيني، دون أن يتمكن الشعب الفلسطيني من نيل هذه الحقوق وممارستها على أرض الواقع.
- عضو المجلس الوطني الفلسطيني