د. محمد أحمد الجوير ">
في عام 1412هـ قمت بزيارة لأمريكا وبالأخص للعاصمة «واشنطن» مكثت قرابة الشهر مررت فيها بولاية «ميرلاند» وولاية «فرجينيا» ومما لفت نظري ذاك الوقت أننا نتجول في شوارع وأسواق العاصمة إلى ساعة متأخرة من الليل ولكأننا في شوارع الرياض أمن وأمان، وهذه المرة لم يخلد في ذهني العودة لأمريكا لسبب واحد هو البعد المسافي، ولكن تكرار دعوة ابني «أحمد» لي بمشاركته أفراحه بتخرجه من جامعة واشنطن بمدينة «سانت لوس» بولاية «ميزوري» حيث يدرس فيها الدكتواره في القانون وهو المحاضر في جامعة سطام بالخرج والمبتعث منها، ألحّ علي وعلى والدته الزلفونية، فكنا مترددين بسبب بعد المسافة ليس إلا!، فكرتُ وقدرتُ، واسترجعت أمري لأتذكر فرحته بمناقشتي رسالة الدكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكان يومها طالباً في معهد الرياض العلمي، ومن فرحته أبلغ أساتذته وزملاءه، فقلت في نفسي، إن لم أجب دعوته، أخشى أن يأكلني الندم، فعزمت الأمر وتوكلت على الله، وكان زميلي وصديقي الدكتور محمد فال له دوره الفعّال في تشجيعي وتسهيل أمر التأشيرة فاصطحبني معه للسفارة الأمريكية حيث يريد هو أن يحصل على تأشيرة كحالي، فأنهينا الإجراءات المطلوبة، فقلت في نفسي إن تأخرت التأشيرة أو لم أحصل عليها، فكفى الله المؤمنين القتال، لكن يومين فقط وإذا الرسالة تصلني لاستلام الجواز مع التأشيرة، قلت في نفسي وقع الفأس بالرأس، والله أعلم أراد سبحانه أن أشارك ابني أفراحه، زميلي تأخرت تأشيرته وهو ابن أمريكا، وتلك مفارقات عجيبة، قلت لأم أحمد اربطي حزامك «الذيب بالقليب» ما فيها فايدة ماشين - بإذن الله -، قامت الحرمة «تونْون» وتقول لعل فيك البركة، نط بحلقي ابني «أنس» يريد السفر معي وحضور حفل تخرج شقيقه، قلت له يا ابني أنت للتو رجعت منه وشقيقك «البراء» ألا تكفيك تلك الزيارة، التي جلتم بها أمريكا طول عرض، أبى إلا أن يشارك أخاه فرحته، قلت له توكلنا على الله، وخصوصاً أن تأشيرته جاهزة، وهو قريب عهد بأمريكا، وفرصة يأخذ بيد الشايب، سافرنا وبعد توفيق الله وصلنا واشنطن بعد (13) ساعة بالتمام والكمال ومكثنا (4) ساعات في المطار، لنسافر ونصل بعد (3) ساعات إلى مدينة «سانت لوس» بولاية ميزوري، حيث سكن وجامعة أحمد، وصلنا ونحن مرهقون وبعد يوم أقام لنا حفلة غداء بمنزله ودعا أصدقاءه من ضباط وطلاب ودار الحوار في مختلف الموضوعات ذات العلاقة، بعدها بيومين اتجهنا جمياً لحضور الحفل الذي أقامته جامعة واشنطن لطلابها المتخرجين لمختلف الدرجات، وكان العدد كبيراً لدرجتي الماجستير والبكالوريوس، أما الدكتوراه فاثنان «أمريكي وأحمد» والتقطت الصور التذكارية للجميع، ومما لفت الحضور، وخصوصاً المسؤولين في الجامعة ارتدائي (الثوب والشماغ والعقال والمشلح) فالعيون متجهة لي، وهي مبتسمة، وكانت الصورة اللافتة، تجمعني وأحمد مع مدير جامعة واشنطن وعميدة كلية القانون وعميد الطلاب الدوليين، ممسكين جميعاً بعلم المملكة بكل فخر واعتزاز، وبعدها عُزِمنا من قبل أحد أصدقاء أحمد وبحضور ثلة من أصدقائه المحترمين، وبعدها عزمني أصدقاء أحمد على العشاء في نادٍ كبير ومهيأ للمناسبات، وقبل تناول العشاء، طلبوا مني إلقاء كلمة توجيهية، فأثنيت عليهم وعلى تمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم وبأمور دينهم، وذكّرتهم بأنهم سفراء لدولتهم، وأنهم سيعودون لوطنهم - بإذن الله -، ليفخر بهم وتفخر بهم أسرهم، ويساهموا في رفعة وبناء بلدهم في مختلف الميادين كل في مجال تخصصه، وحذرتهم من أصحاب الأفكار المنحرفة والمضللة، وأن عليهم تجنب الخوض بقضايا السياسة، سلامة لهم، بعدها طفنا بسانت لوس وركبنا في (قوس آرتش) على ضفاف نهر المسسبي، عمره أكثر من (50) سنة وهو أحد معالم مدينة سانت لوس، التي نتجول فيها، ولكأننا في «زلفزنيا» أو إحدى مدن المملكة، مع الفارق، من حيث الخضرة والنظافة وتطبيق القانون، بعدها بأيام سافرنا لمدينة «شيكاغو» ومن سانت لويس إليها ونحن مع المطر، وسكنا بفندق حياة ريجنسي (خمس نجوم) بسعر زهيد، مقارنة بأسعار فنادقنا الخيالية، وتجولنا بممشى (ميتشقن آفينيو) والتقطنا الصور في مجسم «الفاصوليا» البديع، ثم اتجهنا لجانب آخر، كله أسواق ومطاعم متنوعة أسماؤها بالعربي، ومن الغد عدنا لسانت لوس، ومن مكان إلى مكان، إلى أكبر حديقة بأمريكا، توجد في تلك المدينة، يُطلق عليها (فورست بارك) بعدها دار الحديث حول زيارة بعض الولايات إما كالفورنيا أو فلوريدا فوقع الاختيار على الأخيرة لجوها المعتدل، فتوكلنا على الله، واستأجر لنا أحمد سيارة جيب جديدة فورد 2016، ومررنا على ولايات (ألَينُوي، وتِنِسِي، وجورجيا حتى فلوريدا) ومدنها البارزة، وكل مدينة ننام فيها، ونتجول بأسواقها المشهورة، وكان الابن «أحمد» يحجز لنا فنادقنا بجواله، مما سهل الرحلة ويسرها، دون عناء، فمن المدن التي استمتعنا فيها (سانت لوس، شيكاغو، أتلانتا، أورلاندو،يتونا، سانت أوقستين، فورت أردفيل، ميامي، ناشفل)، وأورلاندو، مدينة سياحية جاذبة وساحرة على المحيط الأطلنطي، فيها مزرعة تحوي حيوانات عدة، وبرتقالاً ذا مذاق رائع، يُطلق عليها (سفاري للحيوانات) أخذنا جولة مع مجموعة كبيرة، أقلتنا سيارة كبيرة خشنة (تريلة) لنشاهد أنواع الحيوانات ومنها المفترسة والطيور، مع التنبيه علينا بعدم فتح نوافذ الأبواب الزجاجية، وفي هذه المدينة الساحرة، ركبنا طائرة هيلوكبتر، أخذتنا بجولة سريعة على المدينة، ثم دخلنا مدينة ألعاب كبيرة وبديعة، استمتعنا بما فيها من ألعاب مخيفة، وفي أورلاندو، وميامي، شاهدنا شواطئهما والأمّة عليها تسرح وتمرح وتمارس هواياتها المتنوعة في جو آمن خال من المضايقات أو الاعتداءات أو التشويهات، الكل يحترم نفسه، ويحترم القانون، وفي مدينة «أوقستين» الجميلة، سوق شعبي، لافت، يجذب السياح، فيه أقدم مدرسة في أمريكا، وبجواره قلعة تاريخية على بحيرة كبيرة، وعند عودتنا توقفنا بمدينة «أتلانتا» وزرنا مصنع «الكوكاكولا» واستمعنا إلى شرح وافٍ عنه، وتجولنا به ولاحظنا ما لا تصدقه العين من إبداع وإتقان (ودرْدَبْنا) أنواع المشروبات بالمجان، حتى (طقّت) بطوننا، بعدها توجهنا لمبنى قناة (CNN) الكبير وتجولنا داخله، ثم عدنا من حيث بدأنا رحلتنا، عدنا لمدينة «سانت لوس» والأمطار مستمرة وغزيرة، حتى وصلناها في ساعة متأخرة من الليل، وخلال هذه الرحلة الممتعة، التي امتدت طوال شهر كامل من (20 صفر إلى 20 ربيع الأول لهذا العام 1437هـ) وتجولنا في أسواق ومراكز ترفيهية كبيرة، سجلت بعض الانطباعات، ومنها احترام الشعب الأمريكي وأدبه وحسن ألفاظه، بمجرد ما يقابلك يبادرك بالتحية المصحوبة بالابتسامة، هناك الحياة تسير كما الساعة، والنظافة في الشوارع والطرقات والأسواق خيالية، أما الطرقات السريعة، التي تربط الولايات ببعضها فحدث ولا حرج مسارات متعددة وواسعة ومؤمنة ومتوفرة الخدمات، كلها خضرة وأشجار طويلة على جانبي الطريق، من سانت لويس وحتى ميامي، بطول (3000كم) تقريباً، محطات الاستراحات على الطرقات، شيء لا يصدق، تحوي فنادق وأسواقاً نموذجية ودورات مياه أنظف منها ما رأيت، وثمة ملحوظة جديرة بالاهتمام، وهي أن جميع محطات البنزين على الطرقات أو داخل المدن، تخلو من الحجارة المجهزة لرمي السيارات الهاربة، املأ خزان سيارتك بنفسك عن طريق بطاقتك الائتمانية وصلّ على نبيك، وكذا الأسواق الأخرى، طرآمنة وبالإمكان توفرها في كل مكان لدينا، أما عن النظام المروري واحترامه في كل مكان، فأمر لافت، ومقدر، في تلك الديار، ومفقود لدينا وللأسف، ومن المشاهدات والانطباعات التي تدعو للفخر والاعتزاز، حرص المواطن السعودي في بلد الابتعاث على الاعتزاز بدينه من خلال حرصه على أخلاقه وصلواته واحتشامه، وتجنب الخوض في الأمور السياسية، والبعد عن أصحاب الأفكار المنحرفة، مما جعل الأمريكان يحترمون الطالب السعودي ويقدرونه، وهذا ما أبلغني به مدير جامعة واشنطن، وعميدة كلية الحقوق، وعميد الطلاب الدوليين، وكذلك المشرف على رسالة أحمد، عندما أثنوا عليه ثناءً عطراً، سعدت به، الخلاصة التي أريد أن أصل لها، أن برنامج الابتعاث، نعمة كبيرة، وهدية من الدولة ثمينة، لأبنائها، تبقى ديناً عليهم، يستردون جميله، بالوفاء لوطنهم وقيادته، والذبّ عنه، وتجنُّب أصحاب الفكر الضال، وفي الحقيقة، أنه من الأهمية بمكان، مشاركة أولياء الأمور فرحة أبنائهم في كل ميدان، تشجيعاً لهم، وفق الله أبناءنا لكل خير وحفظهم من كل سوء.. ودمتم بخير.