د. نوف بنت محمد بن حمد الزير ">
المسؤولية مُنطلق الشخصية السوية ومسار المجتمعات الناجحة.. ومنهجية الدول المتقدمة وعنوان التألق للنماذج الرائدة في كافة مجالات الحياة.
وكلما أبدعنا في بناء المسؤولية؛ أتقنا أداءها وحققنا أهدافنا في أسرع وقت وأقل جهد وأوفر تكاليف وأعلى مستويات الجودة.
وعندما يكون الحديث عن المسؤولية فإن المقصود بها: قدرة الإنسان على إلزام نفسه بالقيام بعمل محدد والوفاء بهذا الالتزام وتبعاته بوازع ذاتي وضمير حي يقظ يحب الخير والإنجاز والنزاهة ويكره الشر والإهمال والفساد.
وبناء عليه فلا يضيره أن يجد من يستقصي عن عمله ويعرف مستوى الأداء لديه؛ لأنه به وبدونه رقيب على نفسه ومتابع لعمله من الطراز الأول.
إن المسؤولية بهذا المفهوم الراقي ترتكز في النفوس الرائدة التي نشأت على فطرتها السليمة (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)كلكم بلا استثناء ينبغي أن يستشعر معنى المسؤولية العظيمة التي أوكلت إليه.
فإذا فهمتْ النفوس ذلك واستوعبتْه جعلته نبراساً لها في الحياة لا تحيد عنه مهما اشتدت بها المصاعب وتكالبت عليها المحن وتجاذبتها النوازع والمتغيرات ومهما أزكمتها رائحة المغريات فلا يمكن أن تتجاوزه إلى غيره!
إنه الرقي الذي به سادت الأمم يوم كانت السيادة سيادة المعالي ، النزاهة، التقدم والحضارة الصادقة. إن تَبَنّي هذا النهج القويم يبدأ من الذات فمسؤولية الإنسان عن ذاته تجعله يصونها عن ما لايليق بها بشرياً ولا يناسبها دينياً وثقافياً ولا يرتقي بها مجتمعياً.
و مسؤوليته الدينية والأخلاقية تحتم عليه الالتزام بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مما هو شامل لحياة الإنسان كافل لسلامتها وإيجابيتها في كل زمان ومكان.
ومراعاة الأخلاق السامية الكريمة مع كل شئ: مع الإنسان، الحيوان، النبات والبيئة مع المسلم وغير المسلم.
ومسؤوليته العملية بمراعاة الأمانة التي أوكلت إليه في عمله سواء كان هذا العمل شخصياً، قطاعاً خاصاً، أو حكومياً أو حتى عملاً تطوعياً لا يخلو من المسؤولية وحسن الأداء. وجودة النتائج وسلامة النيات والمقاصد.
أما مسؤوليته المجتمعية بأن يكون الإنسان في مجتمعه رقماً مؤثراً في عطائه وأفكاره ومقترحاته والتزامه بقيمه وسعيه إلى الارتقاء به وتطويره والإسهام في بنائه ونمائه.
إننا إذا تمكنا من بناء المسؤولية الحقيقية بنهجها الواضح السليم ومعاييرها الممكنة الواقعية الصحيحة استطعنا أن نؤديها خير أداء وأن نعكس لذواتنا ولمن حولنا أننا قادرون على بناء شخصيات راسخة رسوخ الجبال، وتأسيس جيل لا يناسبه إلا القمة ولا يقبل بغير المعالي سبيلاً ولا يرضي طموحه إلا أن يكون هامة العالم الأول كما كان أسلافه الأُوَل من قبل.
إن المسؤولية بهذا الوصف هي الكنز الحقيقي الذي ينبغي أن تسعى الأمم قادة وأفراداً على أن تكون لهم نهجاً وأن يُغذى ذلك في مناهج التعليم ووسائل الإعلام وأن يحرص المربون على تأصيله وتأسيسه في برامج الأطفال ومؤلفات قصصية للنشء ومشاريع ثقافية للشباب وأن تُقام لأجله المؤتمرات وورش العمل وتُبذل لأجله الحوافز والجوائز لكافة فئات المجتمع؛ لأنه عليها تُبنى قواعد الرقي الإنساني ودعائم التطور الحضاري وأصول الاستدامة في البناء التنموي والتقدم الفردي والجماعي لنصل إلى الريادة والنماء ونحفظ قواعد البناء في أمور الدين والدنيا.
يحق لنا إذ ذاك أن نسعد بظل وارف وثمر يانع نسجد لله شكراً عليه.
ونسأله أن يديمها نعمة ويحفظها من الزوال ويكرم بفضله كافة عباده المؤمنين بها.
وما ذلك على الله بعزيز.