عبدالعزيز محمد الروضان ">
بينما كنت ذات يوم أتنزه أنا وصديق لي في أحد مروج هذا البلد الكريم، قلت لصديقي اتركني وشأني أسير لوحدي حتى لا تقطع عليّ حبل أفكاري المتدفقة التي تأخذني مرة ذات اليمين ومرة أخرى ذات الشمال، ومن حسن حظي تركني صديقي أهيم في هذه المروج الخضراء.. فكانت أفكاري تنهال عليّ متسلسلة، فكنت أتخيل أن تكون بلداننا العربية كلها تنعم بالرخاء والوفرة والفيض كما هو حال بلداننا في دول الخليج العربي.. فراح خيالي يطوف في البلدان العربية واحدة تلو الأخرى، فكنت أتخيل أنّ بلدان الشام أصبحت مأوى الكلمة والحرف كما كانت في السابق، وكنت كأني أرتشف من نهر بردى ماءً بارداً عذباً وهو يحاكي عبق التاريخ الماضي، وكنت أتخيل هذه البلدان وهي ترفل بكل نعمة وفيض، وإذا بخيالي يقفز بي إلى بلدان الشمال الأفريقي وإذا بي أتخيلها تنعم بوابل النعم والسلام يعم أرجاءها، وكأني أنظر إليها في يوم عيد والبسمة على شفاه أطفالها تكتب (عقبة بن نافع) وهم فرحون مسرورون، وإذا بي أتخيل شبابها وهم مشاعل نور في أروقة جامعاتها، وشيبها يصبون أعذب الترانيم في المعابد أن تدوم هذه النعم.. وإذا بخيالي يذهب سريعاً إلى بلاد الرافدين وأهلها يحتسون القهوة في مقاهيها ورائحة عبقها كأنها رسول سلام إلى أولئك الذين أثروا بيت الحكمة بصنوف المصنّفات، وإذا بخيالي يستأذنني أن يذهب إلى جامع الأزهر فأصلي فيه ركعتين ثم أذهب إلى الأهرامات التي وقف الناس حولها متعجبين من علو كعب هذه الحضارة! وبينما خيالي يطوف بي من بلدِ إلى بلد، وإذا بي فجأة بصديقي يقترب مني ويسألني سؤالاً أعاد لي صوابي، قال لي: بماذا كنت تفكر؟ قلت له: أفكر في عالمنا العربي المترامي الأطراف والحالة التي وصلت إليه!! فردّ عليّ صديقي سريعاً وقال لي على رسلك أيها الصديق العزيز: دع عنك نزعة التشاؤم.. إنّ بلداننا بخير وعافية.
وما تعيشه اليوم ليس سوى سحابة صيف سريعاً ستتلاشى، وما الحالة التي نعيشها اليوم ما هي إلا نشاز من بعض سفهائنا الذين ضاقوا بنعم الله! وإني على يقين أنهم سيعودون إلى رشدهم وأنّ الخيّرين كثر الذين يحاولون ترميم ولمّ شتات هذه البلدان والعودة بها إلى ماضيها الجميل.. وإن من هؤلاء الخيّرين مولاي وسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (حفظه الله ورعاه) وإخوته من أقطار العالم العرب،ي فهم إن شاء الله بيدهم دفة سفينتنا التي سترسو بميناء سلام.. والسلام.