ناصر السهلي ">
عندما سمحت وزارة التعليم مؤخراً لتعليم الرياض بقرار مشاركة «الأسر المنتجة»، بتقديم وجبات الإفطار لطلاب وطالبات المدارس، استبشرنا خيراً بدعم هذه الأسر وإتاحة الفرصة لها بتقديم وتشغيل المقاصف المدرسية، لكن خيبة الأمل عندما اعتبر تعليم الرياض هذه الخطوة ضمن الصلاحيات الممنوحة لمديري ومديرات المدارس للتعاقد معهم، بحكم إسناد تشغيل المقاصف المدرسية لهم، هنا عادت الأمور لتعقيداتها السابقة ودون تفاصيل إشراقية وإجرائية واضحة نطمئن خلالها على مثل هذه الخطوة الرائعة والتي تمس صحة وغذاء أطفالنا، بغض النظر عن العبارات الرنانة التي صاحبت وستصاحب المشروع والتي تركز على (التحذيرات والاشتراطات الصحية)، بحكم أنها ستصبح حبراً على ورق ما لم تسند إلى جهة إشراقية معلومة ولديها من الخبرة الصحية والغذائية وتحمل المسؤولية، ما يجعلنا نطمئن على ما يدخله أطفالنا إلى بطونهم كل صباح، ناهيك عن القيمة الغذائية المتوقع حصولهم عليها، ولا أتصور أن ترك الأمور لمديري المدارس لتنفيذ وتفعيل هذا القرار في بعض المدارس دون أخرى أمر مقبول.
وهنا يلوح في الأفق عدة تساؤلات هل كان يكفي عندما تنجح التجربة في مدرسة واحدة أو أكثر في العاصمة التي تحتضن مئات الآلاف من الطلاب والطالبات، أن يسمح لكافة الأسر المنتجة بالتقدم للمدارس لتشغيل المقاصف تحت إدارات المدارس؟ وهل كل الأسر المنتجة على درجة واحدة من الأداء والانضباطية؟ وماهي المعايير التي سينطلق مديرو ومديرات المدارس على ضوئها في التعاقد مع هذه الأسر، وهل ستكون الأولوية لأسر الطلاب في نفس المدرسة من ذوي الدخل المحدود، وهل يمكن للأسر المنتجة تقديم غذاء مثالي لأبنائنا في المدارس، وماهي الإجراءات الاحترازية لصنع هذا الغذاء، وتحت إشراف من ستكون هذه الصناعة، وهل بإمكان هذه الأسر المنتجة والتي شاركت في مهرجانات محلية بعدد من الوجبات وأتاحت لها شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت الوصول للمنازل، تكوين رافد غذائي صحي مناسب وشهي لطلاب المدارس؟.
أعتقد أن وزارة التعليم كانت قادرة على التحرك بشكل أكثر ديناميكية وشمولية لاستثمار أمثل لما تنتجه هذه الأسر تحت إشراف وقائي وصحي مباشر، وبما أن تلك الأسر أصبحت قادرة على صناعة التسويق، فلن تكون عاجزة بإذن الله عن تطوير صناعة غذاء مثالي زاخر بأنواع مفيدة وغنية بالسعرات الحرارية، شريطة أن يكون ذلك على نحو أكثر وضوحاً ، فلو أن تعليم الرياض مشكوراً قبل إصدار قرار السماح لهذه الأسر بتشغيل المقاصف وفق اشتراطات صحية (ورقية) وتركها لمديري المدارس للتعاقد لو استغل موقعه على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وقام بعملية تسويق مباشر للمشروع وتسجيل الأسر الراغبة في المشاركة لمدة فصل دراسي، وتطبيق الاشتراطات والمواصفات والعقوبات في حال الإخلال بها ووضع جدول القيمة الغذائية أمام كل وجبه مقدمة، ووزع الأسر حسب مواقعها على مكاتب التعليم في أحياء الرياض، ثم ألحق ذلك بتشكيل فريق عمل من المشرفات والمعلمات في تخصصات التغذية والعلوم للاطلاع المباشر وتقييم الوجبات وطريقة إعدادها، ومنح شهادة مطابقة للاشتراطات الصحية والمواصفات الغذائية لكل أسرة واستبعاد من لا تنطبق عليه الاشتراطات من قائمة الترشيح، ثم الزج بهذه القائمة في تعميم لكافة المدارس بالرياض ومنح مديري ومديرات المدارس صلاحية التعاقد وتحميلهم مسؤولية الإشراف والمتابعة في مرحلة أخرى.
أدرك أن الحالة الصحية للغذاء وسلامته عملية معقدة تتداخل فيها عوامل عديدة تستلزم ضرورة المعرفة التامة بالعلوم الأساسية والتطبيقية في المجال التغذوي وطرق الحفظ والتخزين، لكن ذلك لن يكون إلا من خلال رفع الوعي الغذائي بين الأسر المنتجة قبل المستهلكة.
أعتقد أننا عندما ننمي مهارات تحليل الأطعمة وطرق التخزين والحفظ، فإننا سنفتح آفاقاً أوسع لإنتاج وصناعة الغذاء ببدائل وخيارات وطرق متنوعة يصحبها تغير في العادات الغذائية السيئة التي يمارسها الصغار في المدرسة وخارجها.