تركي بن ناصر الموح
(خلال ثمانية أيام من المناقشات التي أجريتها هنا، مررت بمواجهات كلامية لن أنساها، إذ إنها لم تكن كلها حميمة، شيء واحد تعلمته هو أن هذا مكان معزول غير واضح المعالم).
هذا ما كتبه الإعلامي توماس فريدمان في مقاله (مسافر إلى المملكة العربية السعودية) في صحيفة الشرق الأوسط في الاثنين 12 ذي الحجة 1422هـ- 25 فبراير 2002 العدد 8490، أي قبل أكثر من عشرة أعوام، وقبل ما يسمى بالربيع العربي وسقوط الحكومات العربية وظهور ما يسمى بتنظيم (داعش) الذي كشف عن نفسه بعد أن أسقطت حكومة بوش الأحمق (الصغير) نظام صدام حسين في أرض العراق بالتعاون مع إيران 2003م.
سبق وأن كتب السيد فريدمان مقالا في صحيفة النيويورك تايمز العريقة بعنوان (السعودية الراديكالية هي مصدر الإرهاب وليست إيران) في شهر سبتمبر الماضي 2015م، مؤيدا امتلاك إيران للسلاح النووي حيث قال في مقاله (أنا أؤيد اتفاق نووي إيران لأنه يقلل من فرص قيام إيران بصنع قنبلة لمدة 15 سنوات، ويخلق إمكانية أن النظام الديني المتطرف في إيران يمكن إخضاعه للإشراف من خلال المزيد من التكامل مع العالم)، أي أنه كان منحازاً في موقفه إلى جانب إيران دون أن يعطي المملكة حقها.
ألقى فريدمان مؤخراً خلال شهر نوفمبر 2015م محاضرة في مركز الملك سلمان للشباب، وحضر المحاضرة أكثر من 500 من الشبان والشابات، حيث تحدث إليهم عن التكنولوجيا الكبيرة، وأثرها على مركز العمل.جاء فريدمان بدعوى من مركز الملك سلمان لإلقاء تلك المحاضرة والحديث بشكل مباشر مع أبناء السعودية أو أبناء ما يسميه -هو- مصدر الإرهاب بدءا من القاعدة وصولاً إلى تنظيم داعش.
لا شك أن السيد فريدمان كاتب له وزنه وتأثيره في ردهات الكونجرس الأمريكي والمكتب البيضاوي في البيت الأبيض ومراكز البحوث والدراسات السياسية (Thank Think)، والسعودية بملكها الحازم سلمان بن عبدالعزيز وقياداتها الشابة وشعبها منفتحة على الآخر وتقبل النقد البناء لأن المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد المؤسس وهي صاحبة قضية عادلة ولا ترضى إلا بما هو شرعي لجميع شعوب العالم.
لذلك كان لقاء الأمير محمد بن سلمان والحوار الذي دار بينه وبين السيد فريدمان ونشره فريدمان في (نيويورك تايمز) تحت عنوان (رسالة من السعودية) بتاريخ 25-11-2015م يتسم بالوضوح والشفافية والصراحة، فقد أخبره رغم كل التحديات في المنطقة إلا أن السعودية متلاحمة حكومة وشعبا، بل إن النسيج السياسي بين الحكومة والشعب ارتباطه متين ومباشر.
ولي ولي العهد كشف لفريدمان عن مشروعه الرئيسي وهو إنشاء لوحة قيادة للحكومة على الإنترنت تعرض أهداف كل وزارة بشفافية بمؤشرات الأداء الرئيسية الشهرية - التي سيحاسب بناءً عليها كل وزير ومسؤول، بحيث يشارك الجميع في أداء الحكومة، بل إن القرارات الكبرى التي كانت تستغرق سنتين يتم تنفيذها الآن في غضون أسبوعين.
صحيفة النيويورك التايمز في المقال الذي أعده السيد فريدمان أطلق على الأمير محمد بن نايف ولي العهد وزير الداخلية لقباً جديداً واصفا إياه بـ(المعتدل) بعد أن كان يوصف في الإعلام الغربي ومن الساسة الغربية بـ(جنرال الحرب على الإرهاب).
إن الحوار المباشر هو أفضل الطرق لإقناع طرف بفكرة ما حتى لو كانت عكس أفكاره واتجاهاته، لأن الدول والكيانات التي تفتح المجال لاستيعاب الآخر هي الشعوب القادرة على صنع مستقبلها، وأزعم بأن السيد فريدمان قد اتضحت إليه كل الصور الإيجابية حين تحاور مع أبناء الشعب السعودي وقيادتهم بشكل مباشر وأدرك أن المملكة العربية السعودية ليست كما يظن قبل هذه الزيارة.