علي الخزيم
قال قائل منهم: طلب التلميذ الفاسد الصغير من أمه 150 ريالاً للاشتراك بالرحلة المدرسية يوم الخميس مع أن المدرسة قد حددت100 ريال فقط، الأم الفاسدة طلبت من الأب 200 ريال، الأب الفاسد قال إن اليوم الاثنين؛ أجّلوا الأمر إلى الأربعاء، إذ أنه بانتظار تحويل مبلغ الهدية التي وعد بها صاحب المؤسسة أو الشركة التي أرسى عليها المقاولة للمشروع المربح، الأب الفاسد يرى أنها هدية فلا مجال للرشوة حينما يتعلق الأمر بمجرد تسريع أوراق المناقصة ومتابعتها وتوجيه ونُصْح مجلس الإدارة بأن هذه الشركة هي الأنسب للتنفيذ، هذه علاقات شخصية لا تحتمل التشكيك بالنزاهة، وكل ما يتبعها من مجاملات ودعوات لمناسبات خارجية للترفيه (البريء) لا يدخل في مضامين الرشوة المنهي عنها والعياذ بالله، صباح الأربعاء اتصل الابن الثاني الفاسد الطالب بالثانوية بالأب الفاسد المسؤول بالمؤسسة أو هي شركة (ففي كليهما ربما مَرّ الفساد) يطلب منه سيارة جديدة (يتميلح) بها أمام (عدد من) طلاب فاسدين آخرين يمتطون سيارات أفخم من سيارته الفاسدة، لأن سياراتهم (غالباً) ثمرة تعامل فاسد لإدارات فاسدة في بيئة عمل فاسدة، وبعد هنيهة اتصل المقاول الفاسد ليبلغه بالهدية الفاسدة، قال: جئت بوقتك فللتو اتصل الابن الأوسط يريد سيارة (كذا=320 ألف ريال) لأنه منذ ثلاثة أشهر وخاطره مكسور من أجل هذه السيارة، والآن أنت لها يا أبا فلان وكلك بركة، المقاول ليس أمامه إلاّ الترحيب وقلبه ورئتيه وطحاله تعتصر حُنْقَاً وألماً، فكل صافي مكاسبه من تنفيذ المشروع الذي يستغرق 14شهراً 270 ألف ريال، فأسرّها بنفسه متوعداً بأن يكون بالمرة القادمة أكثر فساداً منه وسيلقنه درساً بالفساد، وبموسم الفساد اللاحق حين اتصل المقاول بادره مسئول المناقصات ومهندس الترسيات: (تعجبني أنك تتصل بالوقت المناسب والحاسم) وكما تعلم فقد تمت ترقيتي للمنصب الذي تعرفه وسيارتي لا تليق بهذا المقام، وكلك نظر، فأسْقِط بيد المقاول وشرب المقلب من يد الخبير الذي يملك الذكاء لكنه ذكاء منحرف عن السراط المستقيم، فجنى وبال أمره ونهجه الفاسد بأن كانت الأسرة كلها فاسدة من الطفل إلى الأم وبقية الأولاد.
صورة مُشْرِقة تختلف عن هذه الصورة عايشتها وشاهدتها عن قرب؛ فقد كان أحد الرجال الصالحين مديراً لقسم المشتريات بمنشأة مرموقة جداً ومشترياتها بمبالغ تُسِيل لعاب العفاريت، لكنه تقي نقي مشهود له بالصلاح تقاعد مؤخراً وهو لا يملك سوى منزله العتيق بحي متوسط لا يتسابق إليه السكان، فوالله إنه لممن يُغْمَطون على هذا الجَلَد ومقاومة إغراءات الشياطين من الجن والإنس ممن أرادوا صرف فؤاده إلى محاسن الدنيا لكنه يُصرّ على حب الآخرة، لا حرمه الله ما يريد.
صورة ثانية: وأنا في زيارة لأحد الأقارب، خرجنا لصلاة المغرب وكان أمامنا رجل بسيط معه طفلين، قال: أتعرفه؟ إنه وكيل وزارة كذا للشئون (الفلانية)، وهذا منزله متوسط الحال، وأولاده صالحون والكل يحبه، إنها التقوى، نور على نور يمنحه الله لمن يفر إليه.