محمد سليمان العنقري
نقلت وسائل إعلامية عن معالي وزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق الربيعة قوله بالجلسة التي شارك فيها بمنتدى التنافسية الذي عقد بالرياض قبل أيام «إن السعودية أُصيبت بالمرض الهولندي»، وهو تشخيص مهم؛ كونه حدد المشكلة بوصفه مسؤولاً حكومياً عن أحد أهم القطاعات في الاقتصاد الوطني؛ ما يعني أن العلاج هو ما يجب أن يتحدد لمعالجة المشكلة الاقتصادية.
والمرض الهولندي هو تعبير مجازي، ظهر في أواسط سبعينيات القرن الماضي، يصف فيه حالة الاقتصاد الهولندي الذي اعتمد على تصدير الغاز؛ ما أدى لارتفاع عملتها وتراجع حاد بصادراتها من السلع التقليدية، وارتفاع بنشاط الخدمات، إلا أنهم تداركوا المشكلة بوقت قصير، وعالجوها، أي بمدة تقل عن عقدين من الزمن.
وأثمرت النتائج أن تكون هولندا واحدة من كبرى الدول بالتصدير للسلع الغذائية بحدود 55 مليار دولار، بوصفها ثاني أكبر مصدر بعد أمريكا، وكذلك بسلع أخرى، مثل الكيميائية والأجهزة، وفيها أكبر ميناء أوروبي في روتردام، وشركات عملاقة مثل فيليبس للإلكترونيات، وتجاوز ناتجها المحلي 750 مليار دولار سنوياً، رغم أن مساحتها 41 ألف كم مربع، أي أن مساحة السعودية تزيد عليها بنحو 53 مرة، رغم أن الناتج المحلي للمملكة يعادل ما حققته هولندا إلا أن الفارق أن المصدر الرئيسي المحرك للاقتصاد بالمملكة هو النفط، أي سلعة واحدة في مقابل عدد ضخم من السلع التي تنتجها وتصدرها هولندا.
ويتضح ذلك بإنتاجية الفرد بين الدولتين؛ فهولندا عدد سكانها 16 مليون نسمة، وتبلغ حصة الفرد من الناتج المحلي نحو 46 ألف دولار سنوياً، بينما في المملكة العدد 31 مليون نسمة، بمن فيهم الوافدون، والحصة تبلغ 24 ألف دولار، وقابلة للتذبذب بسبب التباين في إيرادات النفط (السلعة المسيطرة على التصدير والدخل باقتصادنا)، بينما تبلغ صادراتنا غير النفطية نحو 200 مليار ريال في أفضل السنوات من مختلف القطاعات والمنتجات، وهو رقم يقل عن صادرات هولندا من قطاع الزراعة.
فالمشكلة وإن شُخّصت باقتصادنا يبقى للحلول، أي العلاج العامل الأهم؛ فكثيراً ما كُتب وقيل عن أننا نعتمد على النفط ومشتقاته في اقتصادنا، وهو إذا ما بدد وأضعف إن جاز التعبير دُوّر إلي صادرات لسلع ومنتجات أخرى، وأضعف تنافسيتها أمام طوفان الاعتماد على مورد ناضب، بل إن قطاع الخدمات المحلي تنامى بفعل تأثير النفط بالإنفاق العام، فجل السلع التي تباع بأسواقنا مستورد، والخدمات تعتمد على دور الحكومة بإدارتها وتنشيطها والضخ فيها، وكذلك على العمالة الوافدة؛ ما أضعف دور الكوادر الوطنية في المنافسة بالسوق أمام عمالة رخيصة الأجر.
والعلاج يتطلب هيكلة جذرية، تعيد التوازن للاقتصاد؛ لكي يكون منتجاً ومصدراً لسلع أخرى، ولكي يدير ويستثمر بالداخل بشتى المجالات من شباب الوطن.
فوزارة التجارة والصناعة أمام تحدٍّ كبير لتنشيط قطاع الأعمال، ورفع كفاءته؛ فعدد المصانع محدود قياساً بمساحة وإمكانيات المملكة، فهل استفادت الوزارة من وجود نحو 40 مدينة صناعية؛ إذ لا يوجد حالياً سوى 6400 مصنع؟ وهل استثمرت إنتاجنا الضخم من البتروكيماويات الذي يصدر جله ليعود لنا منتجات نهائية متنوعة بدلاً من أن تُصنع داخلياً؟ فهل ألزمت وزارة التجارة والصناعة كبرى شركات السيارات في العالم التي يشكل سوق المملكة لها نصيباً كبيراً من مبيعاتها بالمنطقة بأن تفتح خطوط إنتاج محلية، أو أن تلزمها بإنتاج بعض مدخلات إنتاج السيارات من سوق المملكة، والكثير من الصناعات التي يمكن جذبها بطرق عديدة؟
تشخيص مشكلة اقتصادنا من قِبل وزير مسؤول عن التجارة والصناعة (أحد أهم روافد الاقتصاد لو نشطت بالاتجاه الصحيح) أمر جيد، لكن بدون وصف العلاج الفعال وسرعة البدء به لإظهار فعاليته لن يغير من الواقع شيئاً، وسيصبح التشخيص والتوصيف مجرد تنظير عن واقع المشكلة دون أن يتعدل الواقع؛ لكي تنهض الصناعة المحلية، ويتقلص دور النفط بالصادرات حجماً وإيراداً، ويكون هناك توليد لفرص العمل التي نحتاج سنوياً لها بحدود 300 ألف فرصة على الأقل، إضافة لتحسين الميزان التجاري غير النفطي مع العالم.
فنحن نصدر من السلع غير النفطية 30 % قياساً بحجم ما نستورد، وهو عجز كبير.
ولو استثنينا الصادرات البتروكيميائية منها لوصل الرقم إلى أقل من ذلك بكثير.
فمتى سنرى أكبر ميناء شرق أوسطي بالمملكة من حيث الحركة والنشاط، وكذلك صناعات تعدينية نهائية، وبنوك عالمية الدور والحجم، وشركات تصنع أجهزة وأدوية، تنتشر في أسواق العالم يا وزارة التجارة والصناعة؟