ليس غريباً على ولاة أمرنا حفظهم الله تكريم ذوي الفكر والْعِلْم ">
الجزيرة - علي محسن مجرشي:
فضيلة الشيخ العلامة أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري.. الأديب والمثقف المعروف والعالم الموسوعي غاص في محيط العلوم، ولعل من يطلع على مؤلفات الشيخ أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري، سيلحظ التنوع العلمي والثقافي فيها، عقود مضت ملأها شيخنا بتلك الدرر من الإصدارات العلمية والمشاركات الصحفية والمنبرية.. الشيخ ابن عقيل الظاهري تطرق إلى العديد من المواضيع في الأدب والثقافة والمجتمع..
وعن عقود مع الكتب والعقول والأفكار والفلسفات: وصف مُكَرَّمُ الجنادِرِية وشخصيَّتُها الثقافية في دورِتها 30 للعام الحالي 2016م:
- نعم هي عُقُوْدٌ تَبْلُغُ واحداً وثمانين عاماً شاكراً ربي على الْـمتاعِ الحسنِ والبلاغِ إلى خير؛ إذْ لَمْ يذهبْ عُمْرِيْ سُدىً؛ فكان في كلِّ عام زيادةُ خيرٍ؛ لأن العلومَ النَّظَرِيَّةَ والتجرِيبيَّةَ (الحسَّ الْـمَرَكَّبَ) يأْخُذُ بعضُها برقابِ بعضٍ؛ فَتَكْثُرُ تَخَصُّصَاتُ الْـمُسْلِمِ، وتَتَسِعُ ثقافَتُه فيما لم يَتَخَصَّصْ فيه؛ فيكونُ مَرْدُودُ كلِّ ذلك الْفَهْمَ النَّيِّرَ لنصوصِ الشريعةِ الْمُطَهَّرَةِ، والتفاعُلَ مع مواعِظِ الربِّ الكريمِ لعبادِه خوفاً ورجاءً وشُكْراً وسعةَ صدرٍ، وحياةً طَيِّبَةً: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (125) سورة الأنعام.. نعوذُ بالله مِن حرج الصدر.. وليس بِمُسْتَغْرَبٍ تكريمُ هذه الدولةِ المجيدة لذوي الفكر والْعِلْم؛ لأنها دولةُ الْـمُحَمَّدَيْنِ اللذين أعادا بفضل الله وعونه للأمَّةِ رُقْعَةً وَأُمَّةً الْـمِلَّةَ الحنيفيَّةَ على صفائِها، وَوِحْدَتَها بعد الشَّتات الْـمُؤْلِمِ عِدَّة قرون.
* ما الذي يقوله الأديب الكبير ابن عقيل الظاهري عن البدايات والطفولة وزمن التكوين الأول؟
- بإيجاز نشَأْتُ بِعَقْلِيَّةِ كُبارِ السِّنِّ من أَشْياخِنا الْعَوَامِّ: أُسَجِّلُ على الورَقِ شِعْراً عامِيّْاً، وتاريخاً مَحَلِيّْاً، وَأُرَدِّدُ مَعَهَمْ أَلْحاناً عامِيَّةً؛ ومِنْها حَرَّرْتُ وَأَصَّلْتُ فَلْسَفَةَ الْعَرُوضِ الْخلِيْلِيّْةِ في كتابي (أوزانُ الشِّعْرِ العاميِّ)، وكتابي (ديوانُ الشعرِ العامِيِّ)، وغيرهما.. وكان لَعِبِيْ وعبثي مع لِدَاتِيْ قليلٌ جِدّْاً.. وَعُنُيْتُ بالْقَصَصِ الأسطوريِّ مِثْلِ (تَغْرِيْبَةُ بني هلالٍ)، و(الْـمِقْدادُ وَالْـمَيّْاسْةُ)؛ وكانتْ من ذلك نَقْلَةٌ سريعةٌ إلى الإلْـمامِ بأنسابِ العربِ، ومَعْرِفَةِ رُمُوْزِهم في الجاهِلِيَّةِ والإسلام؛ ثم كانتْ نَقْلَةٌ سريعة إلى الإلْـمام بلغةٍ العربِ مَتْناً وتأصيلاً، ثم كانتْ نَقْلَةٌ ثالِثَةٌ أسْرَعُ إلى تَذَوُّقِ الشعر العربي الفصيح؛ ولهذا كان تذوُّقي الشِّعْرَ الحداثيَّ وتأصيلَه مُتَأَخِّراً جِدّْاً.
* نُقَطُ التُّحول، ومنعطفات الْـغَيْرِ: هل يكشف أبو عبد الرحمن عن أبرزِها تأثيراً في حياته الثقافية والعامة؟
- الْغَيْرُ بأدَاةِ (اَلْ) صحيحةٌ لُغَةً وإن أنْكرها بعْضُ اللُّغَوِيّْيِيْنَ؛ لأنَّها تَعْرِيفيَّةٌ تَرْفَعُ بَعْضَ الجْهالَةِ.. وأَهمُّ وَأَشْرَفُ تَحَوُّلٍ في حياتي: تَحَوُّلِي إلى الشريعة الإسلاميَّةِ الْـمُطَهَّرَةِ مِن خلالِ الإمام الجهبذ أبي محمد ابن حزمٍ قَدَّسَ الله رُوْحَهُ ونَوَّرَ ضريْحَه؛ وذلك بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بجهودِ والدي عُمَرَ رحمه الله تعالى الذي نَقَلَ هِواَيتي (كليَّةَ اللغةِ) إلى (كُلِّيَةِ الشريعةِ)، وَقَبْلَ ذلك حال بيني وبين (تَحْضِيرِ الْبِعْثاتِ)، وأَرْغَمَني عام 1380 و1381هـ على الاسْتِقالَةِ مِن عملي بالدمام بديوانِ صاحب السمو الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي رحمهم الله تعالى - وكان الراتِبُ مُغْرِياً -؛ لِأكَمِلَ دراستي بالمعهد العلمي بشقراء، ثم بكلية الشريعة بالرياض.. وأمّْا النُّقَطُ والْـمُنْطَلَقاتُ مع غيري: فهي غَزِيرةٌ جدّْاً، ولكنَّها لَمْ تَتَبلْوَرِ إلا في الرياضِ، وَكُلُّها مِهِمٌّ (وبعض الْـمُعاصرين يُنكِرُ «هامّْاً؛ لأنها تَعْنِيَّ مَن هَمَّ أو اِهْتَمَّ بشيىءٍ.. والصوابُ عندي: أنها صحيحةٌ؛ لأن اْلإنْسانَ يَهِمُّ بشيئٍ يُرِيْدُهُ، وَيَهُمُّهُ شَيئٌ يريدُ أن يَعْرِفَ وَجْهَهُ وحِكْمَتَهُ مثلاً؛ فهذه الصِّيغَةُ ذات وجهين).. ولا أسْتطيع الترجيحَ والْـمْفاضَلَةَ بين النُّـقَطِ الْـمُهِمَّةِ أوْ الهامَّةِ؛ ولكنَّ نواتَها كانَتْ عِراكي مع صِغارِ السِّنِّ مِن الأدباء ذوي التذوُّقِ للشعر الحداثي، وكنتُ أَصِفُهُمْ بِـ (أُغَيْلِمَةُ الصحافةِ)؛ وهم اليومَ شيوخٌ يكادون يكونونَ من لِداتي، وهم يَكْبُرُونني في تأصيلِ وإبداع النَّمُوْذَج الْحَداثي من أمْثالِ (محمد جبر الحربي)؛ وأما (عبد الله الصيخان) فقد اِنْسَحَبَ من الساحَة، وأما الشاعر الحداثي (مُسافِرٌ) فكان رَجُلاً مُسالِماً، وأما (سعد الحميدين) وله ديوانا شعرٍ طُبِعا، وهما من أقدم دواوين الشعر السعودي الحداثي: فقد كان مناصِري، وأما (الدُّمَيْنِي) فقدْ عَرَكْتُ أُذَنَه عركاً عنيفاً، وأصبح اليومَ مُسالِـماً، وبالْخيْرات عَمَّتْ.
* صِراعاتُ التياراتِ الثقافية والفكرية: كيف يقرأ شيخنا نشوأَها وتشكُّلَها؛ وبالتالي استفحالُ أمْرِها وتغلغُلُها في نسِيج الْـمُجتمع، وانعكاساتُ هذه العملية؟.
- ما ذَكَرْتُمُوْه كان مَحَلَّ حَيْرَةٍ على مدى عُمْري مُنْذُ بلغتُ الْـحُلُمَ وحَمَلْتُ الْـقَلَمِ.. إلا أَنَّنِيْ عُنِيْتُ بِعِلْمِ الأديانِ عل ضوءِ كتابِ (الْفِصَلُ) للإمام ابن حزم رحمه الله تعالى؛ وهو عن الْـمِلَلِ والنِّحَلِ.. كما عُنِيْتُ بتواريخِ الأُمُمِ حَسْبَما وصل إلى يدي من التاريخ المدوَّنِ الْمُتَرْجم بلغةِ العربِ إلى أنْ تَمَلَّكْتُ كِتابَيْ (الْـمُفَصَّلُ في تاريخِ العربِ قَبْلَ الإسلامِ) للدكتور جواد علي، وموسوعةَ (وِلْ ديورانتْ)؛ وهو(قِصَّةُ الحضارَة)؛ وهما موسوعتان تنوآان بالْـجُهْدِ الْـجماعيِّ؛ فما بالك بَـجُهْدٍ فَرْدي؟!!.. وكنت حَذَقْتُ الْـمُقَدِّمَةُ لابن خلدون التي أَعَدَّها لِـتارِيْـخِهِ، و(رسائلُ إخوان الصفاءِ) التي تَكْشِف مكايِدَ الباطنيةِ مع ما أُلِّفَ في تعميقها مثلِ بعض كتب أبي حامِدٍ الْـغَزَّالِـيِّ رحمه الله تعالى.. كما تابعتُ الكتبَ والْـمجلاتِ والدورياتِ عن التاريخِ الْـمُعاصِرِ مِثْلِ (موسوعَةُ السياسَةِ) لعددٍ من الْـمُؤَرخِينَ والْـمُفكِّرين بإشراف الدكتور عبد الوهاب الْكَيَّالي، وما تُرْجِمَ مِن كُتُبِ السياسةِ مِثْلِ كتابِ (التاريخُ الدبلوماسَيُّ / تاريخُ العالم من الحربِ العالميةِ الثانيةِ) تأليف (ج - ب . دوزيل) بترجمة الدكتور نور الدين حاطوم، دار الفكر طبعته ثالثة بالتصوير عام 1403 هـ، وهكذا المجلَّاتُ الـْمَعْنِيَّةُ بِتَقَلُّباتِ الفكرِ في الدولةِ الْـعُظْمَى - والْـعَظَمَةُ لله وَحْدَه - برِيطانيا والدَّوْلَتَيْنِ الْـعُظمَيينِ الآن؛وهما (الولاياتُ الْـمُتَّحِدَةِ ) و(روسيا) .. إنَّهما تَقَلَّبتا بين اليهودِيَّةِ والنصرانيةِ والماركسيةِ والباطِنِيَّةِ بكل أقسامِها الْـمُجْرِمَةِ.. وفي واقع العرب والمسلمين تقصيرٌ في حَقِّ الله، وانتهاكٌ لِـحُرُماتِه؛ فَحَقَّقَ الله فيهم وَعِيْدَه مِن مِثْلِ قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} (65) سورة الأنعام؛ فالعربُ والمسلمون كما يَقْتُلُهم عدوُّ اللهِ وَعَدُوُّهم: يقتلُ بعضُهم بعضاً.
وقال أبو عبد الرحمن:
لما حَصَلْتُ على كلِّ هذه المصادِر: عَلِمْتُ علم اليقين أنه تحقَّق ليهودَ عليهم لعائِنُ الله تترى وعيدُ اللـهِ الْمُؤْمِنين: أنه سيكونُ ليهودَ حَبْلٌ من الله وحَبْلٌ مِن الناس؛ ابتلاءً للمؤمنين بما اقْتَرَفْوه؛ فكانتْ أمُمُ الأرض اليومَ كلُّها تَخْدِمُ الصهيونِيَّتَيْنِ (الْـعالَـمِيَّةَ الْـمُغَرَّرَ بها، واليهودِيَّةَ الْـبَحْتَةَ التي تنسبُ الإفسادَ في الأرض، والْـمُحَرَّماتِ إلى شرع الله؛ والصهوينيتان هما الدَّواعِشُ مِن أجناسِ الأمم، وكلُّ ما يُوصَفُ بالجمعِيَّات الإرهابيةِ.. بدأ ذلك مِن جورباتشوف، وإعادةِ البناءِ، والسُّخْرِية بالعرب بمقولة (الربيعُ الْـعَرَبيُّ) بعد ابتلاع العراق، وخضوعِ العربِ والمسلمين لِـمَنْ يَحْكمُهم بثوْرَاتٍ عَسْكَرِيَّةٍ من الأغيارِ، أو مِن أبناء جلدتِنا الْـمَلَمَّعِيْنَ المرتَزِقين الذين تَخَلَّوا عن دينهم.. لقد أرسلَ الله عبده ورسولَه موسى (عليه وعلى نبيِّنا محمدٍ وعلى جميع أنبياءِ الله وَرُسُلِه أفْضَلُ الصلواتِ والسلامِ والبركاتِ) إلى فرعونَ لعنه الله وقومِهِ ليرسل معه بني إسرائيل الذين يُقَتَّلُ أبناؤُهُمْ، وتُسْتَحْيا نساؤهُم؛ لأنه رسولٌ إلى بني إسرائيلَ فقط من بعد (يوسفَ) عليه السلام، ورسالَتُه إلى فرعونَ وقومِه من أَجْلِ إطلاقِ بني إسرائيل فقط الذين ذكر اللهُ مُعاناتَـهم بقوله تعالى:{قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (129) سورة الأعراف؛ فكان ربنا سبحانه وتعالى يُرِي فرعونَ وقومَه آياتِه؛ لِـيُفْرِجوا عن بني إسرائيل كما في قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} (سورة الأعراف 133 - 135)؛ وهكذا الحالُ اليوم مع ضحايا الموتِ بالجوعِ والقصفِ الرُّوْسيِّ الباطنيِّ بالبراميلِ المسومَة.. والعالَـم اليوم كُلُّه (بمقابل العرب والمسلمين كالأتراكِ الفضلاءِ) صامِتونَ عن استغلالِ عشراتِ الألوفِ من الأطفالِ الذين فَقَدُوا أَهْلَهم، واسْتُغِلِّوا استغلالاً تَتَفَطَّرُ منه السمواتُ والأرضُ؛ ليكونوا رقيقاً للجنسِ القبيح، وترويجِ الْـمُخَدِّراتِ؛ بل أصبحوا رقيقاً يُباعُ ويُشْتَرَى؛ فما أَشْبَهَ الليلةَ بالبارحَةِ، ودينُ الله مُبَشِّرٌ بأنَّ العاقِبَةَ لِلْمُسْلِمين.. اللهم عَجِّلْ بوعدك الكريم؛ فإن أهلَ الكتاب من اليهود والنصارى، ومن لا دين له كالمارِكْسِيّْيين، والوثنيّْيِيْنَ قد طغوا وبغوا وظلموا واستباحوا الفسادَ في الأرض.. اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، واشْفِ غيظ قلوبنا وغيط قلوبِ عبادِك المؤمنين.
قال أبو عبد الرحمن : وكنتُ انتفعتُ بكتاب (دلالَةُ الحائِرين) للمتكلِّمِ اليهودِيِّ (موسى بن ميمون القرطُبي)، وكتابِ (تَنْقِيْحُ الْأَبحاثِ لِلْمِلَلِ الثلاثِ) لسعد بن منصورِ بن كَمُّونَةَ اليهوديِّ، وبـ (حواشي ابنِ الْمَحْرُومَةِ على كتاب تنقيح الأبحاث للملل الثلاث لابن كمُّونة) الصادِرِ عن التراث العربي المسيحي بتحقيق الْمِطْرانِ (حبيب باشا) عام 1984 م.. وابنُ الْـمَحْرومَةِ هو (أبو الحسنِ بنُ إبراهيمَ بنِ يعقوبَ بنِ نَخْتُوْما الخبازِ بنِ المحرومَةِ؛ وعسى الله أنْ يعينني على تحقيق مسائلِ هذا الكتاب عن كيدِ الصهيونيَّتين اللتين هما في الأصل كيدُ أعداءِ اللهِ مِن يهودَ .. وأما ابنُ كَمُّوْنَةَ [- 683 هـ] فمن تأليفاتِه المطبوعَةِ باللغةِ العربية (الجديدُ في الحكمة) ط4 جامعةِ بغداد عام 1403هـ؛ وهو مِن علمِ الكلام اليهودِي إضافَةً إلى كتابِهِ الآخر (تَنْقيْحُ الأبحاثِ).. كما انتفعتُ بالشَّذَراتِ الْـمُتَرْجمةِ إلى العربيةِ مِن التلمودِ كالكنزِ المرصودِ إلى أن يَسَّرَ الله ترجمة (التُّلْمُودُ البابليُّ) باللغة العربية مع تَحْشِياتِ عَظيمةِ النفعِ جِدّْاً.
* رؤيتكم شيخَنا الجليل حول الموسيقى والطربِ وأُمِّ كلثوم.. هذه الرُّؤْيَةُ لا تزالُ تُثِيْرُ وتُثْرِي؛ فإلى أيٍّن تَمْضِي هذه الرُّؤيةُ مع أو ضدِّ اتجاهِكم ذلك.. شيخَنا الكبير؟.
- هذه الرُّؤْيَةُ التي هَذَّبتها فيما بَعْدُ دافِعُها أمرانِ: أوَّلُهما: فِطْرَتِي الْـجِبِلِّيَّةِ على حُبِّ الجمالِ والتفاعُلِ معه؛ باصطفاءِ النَّمُوْذَج الأرْقَى بَعْدَ أنْ دَلَفْتُ مِن الألحانِ العامِيِّةِ والرِّبابَةِ للخمشي وأمثاله من خلالِ إذاعَةِ الكويتِ مِنْذُ عام 1369 هـ تقريباً، ثُمَّ تَرَقَّتْ الذائِقةُ إلى (التَّخْتِ الشَّرْقيِّ) بتغريدِ سلطانة الطربِ (مُنِيْرَةُ الْـمَهْدِية) كأغرودَتِها (أَسْمَرْ مَلَكْ رَوْحِي)، ثم بَلَغَتْ الذائِقَةُ الغربية بالغين المعجمة على يد (رياض السنباطي)، و(محمد عبد الوهاب) باللحن الثلاثي (الكلمةُ، والْـمُؤَدِّيْ، والمسيقارُ الْـمُلَحِّنُ؛ فطالتْ دَفْلَجَتي الَّذِيْذَة مع تعانق هذا الثلاثي.. أيْ مع مِثْلِ الأطلال لناجي، والطير المسافر، ووسط الطريق.. إلخ.. إلخ.. والأمر الثاني: أنَّ جِبِلَّتِي السالِفَةِ الذكرِ، وجِبِلَّتِي في حُرِّية الاختيارِ؛ وهي حُرِّيَّةٌ فِكْرِيَّةٌ مُـبَكِّرَةٌ؛ إذْ كنتُ أَنْفِرُ مما هو مَـفْرُوضٌ عليَّ من الدروس في سنوات دراستي في مراحِلِ التعليم.. كلُّ ذلك هو الذي جعلني أعْشِقُ كتبَ ابن حزم، ولا سِيَّما دراساتُه الجمالية، وكنتُ يومَها مُتَعَصِّباً له، مُسْتَمِيْتاً في تقليده كأنني أرى الْـعِصْمَة عنده، وكان عفا الله عنه قد أباح سماع الطرب بالآلات الموسيقيَّةِ مِـمَّا وافَق مِزاجي الجِبِلِّيْ، ولم يَعْتَدِلْ الْـمِيْزَان عندي إلا في سنوات الإنابةِ آخر هذا الْـعُمْرِ جَعَلَه الله مُبارَكاً تُضاعَفُ حسناتُه، وَتُبَدَّلُ سَيِّئاتُهُ حسناتٍ، ويوهَبُ مُسِيْئُنا لِـمُحْسِنِنا، وَنُوَفَّق لكتابِ الله الكريم آناءَ الليلِ والنهار، وَنُوَفَّق لحفظِ ما أُنْسِينا، وحِفْظِ ما لَـمْ نَحْفَظْ.. ونُوَفَّقُ إلى اِسْتِحْضارِ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونوفَّق إلى فَهْمِها فهْمَاً يوافِقُ مُراد ربِّنا، ويكون القرآنُ والسُّنَّةُ خُلُقَنا اقتداءً برسولِ الله صلى الله عليه وسلم الذي أدَّبه ربُّه فأحْسَنَ تأديبَه، وجعلَه على خُلُقٍ عَظيم، وجَعَلَ خُلُقَهُ القرآن، وجَعَلَهُ قُدْوَةً لأمَّتِه.. اللهم زِدْنا عِلْماً، وَعَلِّمْنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرْحمَ الراحمين، ويا أكرمَ الأكرمين.
قال أبو عبد الرحمن: مَنَّ الله عليَّ بالإنقاذِ مِن ورطاتِ الْـغِناء (ولقد تراجَعْتُ عن إباحة الغناء بإجازاتي لتلاميذي، وأقراني، ولِـمَن أكرمَني مِنَّن هم في رُتْبَةِ شيوخي؛ فطلبتُ مِنْهم أنْ لا أكونَ قُدْوَةً لهم في إباحَةِ الغناءِ بإطلاقٍ، وتَبَرَّأْتُ إلى الله مِن ذلك، وَطَلَبْتُ منهم أنْ لا يُضَيِّفُوا عل الْـمُسْلِمِينَ بتحريمِ الغناءِ بإطلاقِ؛ بل يُبَيِّنونَ لهم ما صَحَّتْ إباحتُه بقيدٍ، ويبينونَ لهم أنَّ تَرْكَ سماعِ الغناء بإطلاقٍ أفضَلُ، وأنَّ سماعَ شيىءٍ منه جائزٌ شرعاً).
قال أبو عبد الرحمن: مَنَّ الله عَلَيَّ بسماعٍ جميلٍ، وهو سماعُ القرآنِ الكريم بتلاوةِ مُقْرِئين مُـجَوِّدينَ يَتَغَنَّوْنَ به ولا يُغَنُّوْنَه بالألحانِ.. أعجبتُ بالشيخ محمد رفعت؛ فتلاوتُه مَلِيْحَةٌ، وتلاوَةُ عبد الباسط عبد الصمد جميلةٌ، والملاحَةُ أَعْظَم أَسْراً رحمهما الله جميعاً على الرُّغم من أنَّ الشيخ محمد رفْعَت له تلاواتٌ يُغَنِّي فيها بالقرآن على المقامات العراقِيَّةِ، ولكنني لا أَسْتَرْسِلُ في السَّماع؛ بل أعود إلى سماع تِلاواتٍ له مليحةٍ جميلةٍ لا نكارةَ فيها.. ولقد كَرِه الإمام أحمد وأبو حاتِم رضي الله عنهم جميعاً التلاوَةَ وسماعَها إذا زادَ الْـمَدُّ على سِتِّ حَرَكاتٍ بِرَفْعِ الْأُصْبُعِ بِسُرْعَةٍ.. وإعادَتِها بِسُرْعَةٍ.. هكذا سِتَّ مَرَّاتٍ؛ ولهذا كرهوا سماعَ قراءةِ الكِسائي.. مع العلمِ أنَّ تلاوتَه مَسْموعةٌ مرويَّةٌ بالتواتر عن مُـقْرئِيْ الصحابةِ رضي الله عنهم.. والمقاماتُ قد تأتي أحياناً تِلقائيةً كما هي عند بعض الْـمُؤَذِّنين، ونحن نسمَع ذلك في أَذانِ الشيخ عبدِ العزيز بن ماجدٍ رحمه الله تعالى، فَيَرْفَعُ مَدَّ (لا إله إلا الله)، وَيَتَموُّج بها يميناً وشِمالاً غيرَ قاصِدٍ ألحانَ الْمَقاماتِ، بل هي فِطْرَةٌ يَظُنُّ أنَّها من التَّغني لا الغناءِ، وأنها في نصاب:
(لقد أُوْتِيْتَ مِزماراً مِن مزاميرِ آلِ داوود).
* كيف يرى المفكِّرُ الظاهريُّ واقعَ الجيلِ الجديدِ الْـمُرْتَهَنِ بالاتِّصالِ الإلكترونيِّ والتَّواصُلِ بوسائلِ الاتِّصالِ العالِمِيِّ كالإنترنِت مثلاً؟.
- هذا أَمْرٌ عَمَّتْ به الْـبَلْوَى، والاتِّصال ضروريٌّ.. لا يجوز أنْ يكونَ الْـمُسْلِمُ في عُزْلَةٍ عما يَخُصُّ أُمَّتَه، وَمَنْ لا يهتمُّ بأمْرِ المسلمين فليس مِنهم، ولكن عليه أنْ يكون مُنْقِذاً وداعِيَةً إلى الْـمَخْرَجِ في آن واحِدٍ؛ فيتواصَلُ بعلمٍ شرعِيٍّ وفكْرٍ نيِّرٍ مع كلِّ أجْهِزَةِ البثِّ داحِضاً ما ينسبُ إلى أُمَّتِه مِن إفْكٍ، مُـحَذِّراً مِـمَّا يُبْنَى على ذلك مِن عُدوانٍ على الأمَّةِ، داعِياً إلى الاعتصام باللهِ ثمَّ إلى جَمْعِ الْكَلِمَةِ كما في التحالُفِ بين العرب والمُسلمين وَمَنْ يُؤْلِـمُهُ الظلمُ والإفسادُ في الأرضِ، وهو التحالف الذي ضمَّ أكثر من نصفِ سكانِ الْـمَعْمُوْرَةِ الذي انْتَهَجَهُ خادمُ الحرمين الملك سلمانُ أيَّدَهُ الله.
* ما هي رؤية شيخنا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة (الْـجنادِريَّة) من زاوية ثقافية وجمالية وتراثية؟.
- نَفْعُ ذلك من أَجْلِ اسْتِحْضارِ ما غاب عن الشباب مِن تُراثِ الأجداد، وما يَـعْمُرُونَ به ندواتِهم من ألْـحانِهم العامِيَّةِ التي الْـتَهمَها اليومَ بعضُ الطَّرَبِ الْـمَمْجُوْجِ؛ فلا هو طربُ الثُّلاثِيِّ الذي أسْلَفْتُهُ آنفاً (الْكَلِمَةُ، والموسيقار، واللحنُ)، ولا أرِيْدُ أنْ أُسَمِّيَّ أحَداً لأغيظه.
* كيف يرى شيخنا الحركاتِ الفكريةِ العربية، وأيضاً حركاتُ البناءِ السياسيِّ بما فيها حركاتُ الإسلام السياسي؟.
- هي كما أسْلَفْتُهُ عن الصُّهْيونِيتين، وعن الإسلام السياسيِّ الذي فيه وعيدٌ بأنْ يَلْبِسَهُمْ اللهُ شِيَعاً، وَيُذِيِقَ بَعْضَهم بأس بعض.
* ما الذي ينقص المشهد الثقافي والأدبي السعودي، ولماذا لم ينتجْ بَعْدُ اسماً عربياً عملاقاً؟.
- يَنْقُصُه أَنْ يكونَ لَه شَخْصِيَّةٌ مُتَمَيِّزةٌ تُعْرَفُ بالْـمَشْهَدِ السعوديِّ فِكْراً وأدباً.. على أنَّ إبْداعَهُمْ النموذَجَ الحداثيَّ يكادُ يكونُ شَخْصِيَّة سُعُوْدِيَّةً مُتَمَيِّزَة بلغتنا الْـفُصْحَى، وخُصُوْصِيَّتِنا الدينية.
* ما الذي بقي في ذاكرة شيخنا الكبير من وجه حبيبته الأولى، وكتابه الأول، وحلمه الأول؟.
- حبيبتي الأوْلَى والأخيرةُ شريكةُ حياتي بِخُطْبَةِ ابن مسعودٍ رضي الله عنه.. تَعَلَّمْتُ منها مَوْضِعَ الإحسان والإساءة، وأعانتني بعد الله على نوائب الدنيا والصبر؛ وشعارُنا: (أَنْفِقْ ما في الجيبِ يَأْتِكَ ما في الغيب)، و(أَنْفِقْ بِلالاً، ولا تَخْشَ مِن ذي الْـعَرْشِ إقْلالاً).. والكتابُ الأوَّلُ الْـمُتَجَدِّدُ (لَنْ تُلْحِدَ).. وحُلْميْ الأوَّلُ والأخيرُ: أنْ لا أموتَ إلا مُسْلِماً، وأن أكون من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخرَ سَيِّئاً في أول الْـعُمْرِ؛ فهم موعودون بالمغفرةِ بفعْلِ (عَسَى)؛ فهو مُغْفِرَةٌ مُـحقَّقَةٌ من الرب سبحانه وتعالى، وأنْ أكونَ آخر الْـعُمْرِ من السابِقِيْنَ الْـمُقَرَّبينَ؛ فإنَّ الْعِبْرَة بالخواتيم، وأنْ يجمعني الله بأهلي السابقين واللاحقين، وذُرِّيَتِيْ، وحَشَمِيْ وَخَدَمِي، وأصدقائي، وأقاربي، وَمَنْ له حَقٌّ علينا أو على والدِيْنا، وَمَنْ أحْسَنَ إلينا أو إلى والدِيْنَا، وجميعِ إخْواني الْـمُسْلِمين في جنات النعيم.
* لو كتب شيخنا وصيته فماذا سنجد فيها؟.
- فيها (عليكم بالدِعاءِ طالِبينَ الْعِصْمَةِ من الله، والتثْبيتَ، وأن يَقِيَنا عذابَه يومَ يبعث عبادَهُ، وأن يجعل قبورَنا روضاتٍ من رياضِ الجنَّةِ، وأنْ يُيَسِّرَ حسابنا، وأنْ يَسْتَر علينا.. وعليكم بجوامع الدعاءِ مثلِ: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. اللهُ أكبرُ كبيراً، والحمدُ لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.. اللهم اِغْفِرْ لنا وارحمنا واهدنا وعافنا وارزقنا.. وعليكم بِـمَوَاسمِ إجابةِ الدعاءِ مِثلِ ثلثِ الليل الآخر، والسفر، ونزول المطر، وآخرِ ساعةٍ من يوم الجمعة، وعند صعودِ الإمام المنبر في خُطْبَةِ الجمعة، وفي ساعَة الضُّرِّ والَّضرَرِ حيثُ لا مَلْجَأَ ولا مَنْجا مِن الله إلا إليه، موقنين بالإجابةِ وأنَّ الله رؤُوفٌ بالعباد).