د. عبد الرحيم جاموس ">
مع تنامي حركة الكفاح والصمود الفلسطيني في وجه الغطرسة الصهيونية منذ قيام كيانه الغاشم على أرض فلسطين، والتي أخذت أشكالا متعددة وأساليب متنوعة، وفق الظروف والمعطيات التي تحكم واقع النضال الفلسطيني، وقد أثمرت إنجازات وانتصارات مهمة، كان في مقدمتها، الإقرار الدولي بحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وحقه في العودة، وحق إقامة الدولة وعاصمتها القدس، ما يعني أن خطة الصهيونية بابتلاع كامل فلسطين ونفي الشعب الفلسطيني خارج وطنه والعمل على إذابته في المجتمعات الأخرى، قد باءت بالفشل الذريع، وأحالت المشروع الصهيوني في المنطقة العربية وعلى أرض فلسطين إلى مشروع اقتصادي وعسكري خاسر وفاشل، وبدأ يفقد وظيفته الاستعمارية التي ارتبطت بخطط الاستعمار القديم، الذي افترس البلاد العربية مع نهاية الحرب العالمية الأولى في العام 1918م، وقد فشل في الاندماج مع الشعب الفلسطيني، سواء في داخل حدود الأراضي المحتلة للعام 1948م أو في نطاق كامل فلسطين التاريخية التي أكمل سيطرته واحتلاله لها في عدوان 5 حزيران للعام 1967م، لقد حافظت حركة الكفاح والصمود الفلسطيني على حيويتها ونشاطها وتجذرها، ولم تفت في عضدها كافة الإجراءات القمعية الاحتلالية العنصرية التي يتعرض لها شعب فلسطين في كافة مناطقه، فهناك كانت الأحكام العسكرية ومصادرة الأراضي والتهجير الداخلي ومنظومة الإجراءات الإدارية والعسكرية العنصرية التي يتعرض إليها شعب فلسطين كأقلية قومية داخل حدود الكيان الصهيوني للعام 1948م، وقد أقامت فصلاً عنصرياً واقعياً وقانونياً وسياسياً بين الفلسطينيين وغيرهم من المستوطنين، الوافدين جراء الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والتي شرع أبوابها الانتداب البريطاني على مدى ثلاثين عاماً، حتى وفر العنصر السكاني للكيان الصهيوني للقيام بعملية الخطف والاغتصاب التي تعرضت لها فلسطين.
أما في الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967م، يتم بناء جدران الفصل والتوسع العنصرية على الأرض التي شرع في إقامتها بذرائع أمنية، بدءاً من جدار الفصل العنصري الذي أقامه في قلب الضفة الغربية والقدس، ليلتهم ويضم جزءاً كبيراً من الأراضي الفلسطينية إلى كيانه، كما يجرِي الآن التفكير والإعداد لبناء جدار فصل عنصري آخر جديد يفصل بموجبه قطاع غزة عن فلسطين المحتلة عام 1948م، بذرائع ودعاوى أمنية، كما أعلن أيضاً أنه ينوي إقامة جدار فصل عنصري آخر في منطقة الأغوار بذريعة تقوم على أساس توفير الحماية والأمن لكيانه من أية تهديدات أخرى مستقبلاً قادمة من الشرق..!!!
إنها ثقافة (الجيتو) ثقافة حارة اليهود التي حالت تاريخياً دون اندماج اليهود في المجتمعات التي عاشوا فيها مئات بل آلاف السنين، سواء في الدول العربية من المغرب العربي إلى المشرق، وكذلك في أوروبا، تلك الثقافة العنصرية المترسخة في الثقافة اليهودية بالتميز، والتنوع عن المحيط الاجتماعي الذي تعيش فيه لا زالت تحكم العقلية السياسية للكيان الصهيوني، وهذا هو منبع ثقافة وسياسة الجدران الإسرائيلية العنصرية اليوم، التي يرسخها الكيان الصهيوني في أرض فلسطين، وهي تؤكد فشله الذريع في إمكانية الاستمرار كدولة حضارية عصرية وككيان سياسي مقبول قادر على العيش والاندماج في المنطقة والإقليم، إنه نتاج ثقافة (الحارة العنصرية) وليس ثقافة الدولة العصرية المدنية، كما تؤكد فشله الذريع بقدرته على إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين تحقق له وللشعب الفلسطيني الأمن والسلام المبني على العدل والمساواة، دون التخلص من ثقافة ((الحارة العنصرية)) وثقافة الجدران، إنه كيان الأبارتهايد الجديد..!!!
- عضو المجلس الوطني الفلسطيني