د.ثريا العريض
ناقشنا في الشورى مؤخرًا أول تقرير لوزارة التعليم بعد التغيرات الهيكلية الأخيرة التي ضمت مسؤولية التعليم العام والتعليم العالي تحت مظلة وزارة موحدة هي التعليم. ولي توصية قدمتها منذ ما قبل الضم لا يؤثر فيها مسمى الجهة التي تحمل مسؤولية التعليم العالي. بل ربما ستكون هذه التوصية أهم الآن فالنظرة الرسمية الحالية للتعليم رؤية جديدة تراه فعلاً متواصلاً مترابطًا من مرحلة التأسيس حتى التخصص وما بعد التخرج. أي أن التعليم في تفاصيله وشموليته فعل هادف لخدمة الوطن. وأتمنى أن ينتبه الوزير الجديد للتعليم إلى ما اقترحه هنا.
ببساطة كل ما يتعلق بناتج التعليم مترابط ومؤثر وطنيًا، وهو أمر يجب أن يؤخذ بجدية قصوى لأنه يقرر مستقبل الوطن ورضا الأفراد وبالتالي الاستقرار. لذا فقرارات إنشاء الجامعات في المناطق المختلفة، وقرارات توسعها، وقرارات التخصصات التي تقدمها أو تتوسع فيها وتؤثر في توجهات الطلاب للتخصص المتخير لكل فرد، يجب أن تكون مرشدة ومدروسة بصورة شمولية مرتبطة باحتياجات الوطن وأهدافه ومتطلبات مناطقه.
نحن فخورون بنشر التعليم الأولي وتمدد التعليم الجامعي، ولدينا أعداد متزايدة من المؤسسات العامة والخاصة تقدم التعليم الجامعي وفروع التخصص. التقرير السنوي يحتوى الكثير من المعلومات الإحصائية بهذا الشأن.
ككل باحث تربوي متخصص في التخطيط أبحث عن توضيح الصورة تفصيليًا. التقارير تعطي بعض التفاصيل عن الجامعات في جداول.
ويأتي ترتيب الجامعات حسب أقدمية التأسيس. لا شك أن هذا يسهل لمعد التقرير إضافة الجامعات الجديدة في التقرير القادم، وقد يفيد في توثيق النمو التاريخي. أما المخطط التنموي على مستوى الوطن فيطلب ما هو أبعد. الباحث والدارس للوضع الجامعي العام وعلاقته بالوضع في إطار وطني شامل يرغب في رؤية إعداد المتخصصين وتخصصاتهم مناطقيًا؛ هل هي ترضي احتياجات الوطن زمنيًا ومكانيًا؟ وهل تتوافق مع احتياجات كل منطقة من خريجي التخصصات المختلفة؟ أم هناك عدم توازن في الإنتاج، وبالتالي عند محاولة إرضاء مطلب التوظيف، يصبح النقل والتعيين بعيدًا وحوادث المرور أزمات مستمرة.
لا أقصد مقارنة جامعات كل منطقة على حدة، بل مقارنة ناتج جامعات كل منطقة بناتج الجامعات في المناطق الأخرى من حيث أعداد الخريجين ومجالات التخصص والمتخرجين منها. لتؤخذ النتيجة النهائية في الاعتبار عند التوصية بقرارات تهم الوطن ككل، مثل توفر فرص عمل لا تدفع الخريجين إلى الهجرة من مناطقهم الأصلية ليتمركزوا في المدن الكبرى. أو يضطروا إلى السفر المتواصل بين مقر الأسرة ومقر العمل.
من أعوص المشكلات التي تقابل وزارة التعليم ووزارة الخدمة المدنية اليوم هي تعيين الخريجين والخريجات في مواقع العمل حيث تحتاجهم. بينما يطلبون تعيينهم وتعيينهن في مناطق سكنهم الأم. وقد يعالج الأمر بعض الشيء بالنقل والحوافز. ولكن الأفضل هو معالجة المشكلة الأصل بإتاحة فرص تعليمهم وتدريبهم وتخريجهم وتوظيفهم في مواقع ترضيهم وتوقف الإشكالية. وهذا يتم بترشيد توسع المناطق برؤية شمولية.
توصيتي تطلب فقط من معدي التقرير أن يوضح تقرير الوزارة - أو الجهة المسؤولة- تفاصيل توسع الجامعات في إطار مناطقي، يسهل مقارنة أوضاع ناتجها، وأن توضح تفاصيل التخصصات.. لتتضح تفاصيل المنتج في كل منطقة مقارنة بالمناطق الأخرى. وبهذا سيعرف صانع القرار وضعها المقارن؛ هل يفي باحتياجاتها؟ أم هناك نقص؟ وبناء عليه تحتاج للكفاءات من مناطق بعيدة؟ أم هناك فائض سيضطر الخريج لمعاناة التوظف بعيدًا؟
أتكلم عن ثقافة الممارسة السائدة حول التعلم والتخصص والتوظيف. التوسع في الجامعات في بعض التخصصات النظرية والبحوث التي لا تعدو تجميع تفاصيل تاريخية لا تطبيقية، يحرم الخريجين من إمكانية الحصول على وظائف في عصر تقني.. ويعيق التنمية الشاملة المتوازنة، التي هي مطلب لاستقرار الوطن بكل أرجائه. فهل يأخذ وزير التعليم هذا الجانب بعين الجدية وتحمل وزارة التعليم مسؤولية الفعل وفرح النتائج؟