غدير عبدالله الطيار ">
رضينا أم أبينا، وافقنا أم اعترضنا، نحن نتاج مجتمعنا، نتاج تلك التربية والتنشئة الاجتماعية التي رُبيِّنا ونشئنا عليها منذ نعومة أظافرنا.
نحن نتاج لحظات الأمن النفسي والاحتياج العاطفي الذي نشعر به ونحتاج إليه، ونشبع منه من أقرب الناس إلينا قبل أن نشبع منه من أبعد الناس عنا.
نحن نتيجة تلك الإرهاصات التي نواجهها في حياتنا العامة بشكل يومي ومع الكثير ممن نتعامل معهم من فئات مختلفة، وتتشكّل حياتنا وفقها وعلى ضوء تقبلنا لها.
نحن نتيجة تلك الحوارات التي يحاول كل شخص قلب الحوار له، وأنه الصح في كل ما يقوله ويفعله، نفتقد نحن إلى الحوار الجاد والفعال المثمر الهادف وجهلنا ما الحوار وما أهميته؟ الحوار بمعنى بسيط هو تبادل للآراء بين عدد من الأشخاص حول قضية مشتركة في محاولة لإيجاد فكر مشترك، وللحوار أهمية كبيرة، فهو من وسائل الاتصال الفعالة، حيث يتعاون المتحاورون على معرفة الحقيقة والتوصل إليها؛ ليكشف كل طرف منهم ما خفي على صاحبه منها، والسير بطريق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق. نعم الحوار مطلب إنساني، تتمثل فيه أهمية استخدام أساليب الحوار البناء لإشباع حاجة الإنسان للاندماج في جماعة والتواصل مع الآخرين، كما يعكس الحوار الواقع الحضاري والثقافي للأمم والشعوب، حيث تعلو مرتبته وقيمته. وقد ورد الحوار في القرآن الكريم حينما عرض القرآن حوار الله مع خلقه بواسطة الرسل، وكذا مع الملائكة ومع إبليس، رغم أنه يمتلك القوة ويكفيه أن يكون له الأمر وعليهم الطاعة، وكذلك مع موسى عليه السلام ومع عيسى عليه السلام في الآخرة، كما أنَّ دعوات الرسل كلها كانت محكومة بالحوار مع أقوامهم , وقد أطال القرآن في عرض كثير من إحداثيات هذه الحوارات بين الرسل وأقوامهم، وأيضاً حوار سليمان عليه السلام مع الهدهد والذي انتهى بإسلام ملكة سبأ ودولتها، أضف إلى ذلك حوار الملائكة مع بعض الأنبياء كإبراهيم عليه السلام, ولوط عليه السلام وزكريا عليه السلام ومريم، والأمثلة كثيرة جداً في القرآن الكريم. وهناك نماذج من السنة النبوية،
كحوار الرسول صلى الله عليه وسلم مع المشركين كصلح الحديبية، وكحواره مع عتبة بن عامر وسائر المشركين، وأيضاً مع اليهود ومع المنافقين ومع الأنصار ومع الملوك والوفود، ومع زوجاته وأصحابه، والأمثلة في السنة كثيرة جداً. وهذا دليل على أهمية الحوار في المجتمعات وأننا بالحوار نصل إلى العلو والرقي في حياتنا. نعم ما أحوجنا إلى تبادل الآراء والأفكار وتحقيق الذات ولكن بصورة واقعية، وللحوار شروط معيّنة منها وجود فكرة معيّنة يتم التّناقش بها وتبادل الآراء بشرط احترام الرأي الآخر والسماح للآخرين بالتعبير عن آرائهم بشكل ديموقراطي ودون تعصُّب باعتباره العصا السحريَّة بتبادل الثقافات والأفكار. وللحوار الناجح والمثمر آداب ينبغي التقيُّد بها والعمل بها أثناء الحوار كاحترام الرأي الآخر وتقبُّل الأفكار كافة، وحسن الإنصات والاستماع مما يضفي رونقاً خاصاً للمحاور ويشعر المتحاور بأهمية كلامه فيدفعه للاستماع وتقبُّل الآخرين كما تقبَّلوا رأيه، وينبغي التنبُّه لعدم مقاطعة أحاديث الآخرين وانتظارهم لحين الانتهاء من كلامهم حتى وإن طال، وعلى الشخص أن لا يبدي أيَّاًَ من مظاهر الملل وعدم الاكتراث لما يقوله الآخرون أو الاستهزاء بأفكارهم أو معتقداتهم، فعلى الفرد التحلِّي بالاحترام لجميع الأفراد المتحاورين واحترام آرائهم، فيكون أساس الحوار الاحترام المتبادل، وإن وجد بمجلس الحوار شخصاً متعصِّباً لرأيه ولا يجيد آداب الحوار فينبغي التحلِّي بالصَّبر والحلم، ومحاولة توضيح وجهات النظر بكل هدوء ودون تعصُّب، وعلى الأفراد المتحاورين التحلِّي بالصِّدق عند إبداء الآراء تجاه أمور معيَّنة والابتعاد عن الكذب، فكلَّما كان المتحاور صادقاً بكلامه كانت قوّة إقناعه أشد وأقوى على باقي الأفراد، ومن الأمور التي يجب الاهتمام بها وكذلك الحرص عليها في الحوار أنه لا ينبغي على الفرد المحاور أن يتحدَّث بكل أمور يتم طرحها والتحاور بها فعليه أن يتحدث بما يمتلك مع المعرفة الكافية التي تمكنه من التحاور مع الآخرين ليصل بالحوار إلى الإقناع الصحيح، ولذا يجب أن ننبه على أهم آداب الحوار، وهو أن يكون الحوار فعالاً: فلا أساس لحوار بُني على أساس خاطئ، فلكي يكون الحوار فعالاً لا بد أن يكون الهدف لدى المتحاورين موضوعياً متعلِّقاً بموضوع الحديث لا غير، وأن يهدف كل منهم إلى الاطّلاع على الرأي المطروح لا إلى الشخص المتحدث، كذلك توفُّر المعرفة لدى الحاور فلا بد للمتحدث أن يكون ملماً بما يدور النقاش حوله فيكون ذا ثقافة تسمح له بتكوين رأي ليحاور الآخرين بناء على دراية وإلا فيكون حديثه ضرباً من خيال وجدلاً لا فائدة منه سوى إضاعة الوقت. ومصداقية الحوار: وهي أن يتمتَّع الكل بالصدق في الحديث وينطبق ذلك على صدق الأدلة الداعمة، والصدق المتبادل في الحديث يجعل الحوار فعالاً ومفيداً، ويسمح لكل منهما الأخذ برأي الآخر بناء على الأدلة المطروحة من الجانبين. نحن بحاجة إلى الحوار مع أبنائنا وبناتنا لننشئ جيلاً نفتخر به، وكذلك المعلم عندما يحاور طلابه والمسؤول مع موظفيه بحواره ومناقشته لهم يصل بهم إلى ما يحقق الإبداع والنجاح في عملهم حيث يعكس الحوار الواقع الحضاري والثقافي للأمم والشعوب، حيث تعلو مرتبته وقيمته وفقاً للقيمة الإنسانية لهذه الحضارة وتلك. وتعد الندوات واللقاءات والمؤتمرات إحدى وسائل ممارسة الحوار الفعَّال، الذي يعالج القضايا والمشكلات التي تواجه الإنسان المعاصر. نعم الحوار وسيلة لتهذيب النَّفس وتربيتها، فحين يكون أسلوب الحوار سائدًا في المجتمع الإسلاميّ يكون هذا المجتمع متَّسمًا بالأخلاق الحسنة من حسن استماع وأناة وصبر ورفق ولين وغير ذلك من الصِّفات التي يتطلَّبها الحوار، فمن هنا أنادي بالحوار الهادف الفعَّال الذي يرتقي بنا ويرفع وطننا، ونحن جميعاً وجدنا من أجل الوطن ورفعته، وأكرر دائماً (دمت يا وطني شامخاً).