د. خيرية السقاف
هاتفها في الثلث الأخير من الليل يشعل المكان
تستيقظ على ناره
حرقة الخبر تلجمها وتطلق أنينها
« يا ويلي» ,
لحق بشار الأسد بأسرتها,
جثته قد غيبها موج البحر في درجة حرارة تتدنى في أقاصيها
الصوت وراء الهاتف: غرق الزورق وغرق من فيه, تم انتشال الجثث إلا جثته..
نجا أبناؤه وزوجه وبناته ورفقاؤه إلا هو..!
أخوها الهارب من جحيم بشار لقلق الغربة,
أخوها الخائف على صغاره, المجازف بالإبحار بهم
مختفيا في البحر..
أسبوع,
والموج يطفو به عند الشاطئ الذي انطلق منه..!!
إمعانا في التشبث بوطنه..!
ذهب حتى الحدود التركية ليغرق في بحرها
فحمله الموج ليعود لبره..
عادت الأسرة للمكان ذاته,
أخذوه لمدينته الغارقة في لوثة الدمار..
دفنوه في ثراها المنزوع حجابه اغتيالا..
عادت الأسرة المصابة ببرد الاضطراب, وخوف التيه, وهلع لحظات الغرق, ووميض لحظة النجاة لتعاود مواجهة الخوف, والموت, والتيه..
ما فعلت غير أن ذهبت ليغرق, وعادت ليُدفن..
صديقتي بين لحظة علمها بهذا, ولحظة وعيها من صدمتها..
تجسدت سوريا بين عينيها,
تجسد اللاجئون, المشتتون, الراجفون بردا, العراة فقرا, التائهون فقدا
وآلاف القصص,
وضحايا خرافة العصر, وكارثة الزمن حرب الإبادة فيها, ونوايا الطامعين..
جاءتني رسالة من زوجها: « صديقتك فقدت أخاها في البحر» !!
جئتها أطفو ألما..
في دموعها حرقة المحارَبين في وطنها, حسرة الفاقدين, هلع المشوقين,
من لا حيلة لهم, والظلم يستبد بهم, والأمان يغادرهم, والخوف يلاحقهم..
قالت: لو لم أكن هنا, لكنت واحدة ممن يجري عليهم سيل الدوامة, وتقصدهم قذائف الفناء,..
صديقتي بنت الشام لم تكن مواساتي لها كافية لإسكات دمعها,
ولا لصد أساها, ولا لتخفيف لوعتها..
ولا لجبر خاطر زائراتها اللاتي هربن لهنا,
منهن من تحمل جرحا عميقا تداريه بضماداتها..
ومنهن من يعلن جزء من جسد بحصيلة بشار الأسد فيهن ,
إحداهن يدها مصابة, وأخرى قلبها مكلوم بموت فلذاتها, وثالثة قدمها مبتورة بقذيفة دمرت سقف بيتها,.. والمصاب جلل لا تستوعبه السطور..
الألسنة تتجه للسماء, والنفوس لربها تبتهل بالرجاء..
اللهم اجبر خاطرها, وارحم ميتها صديقتي الطيبة..
لطفك بسوريا كلها, أعد لها أمانها, ولمَّ شتاتها,
وأرسل الحياة في زرعها, وضرعها, ومائها, ومأواها....
إنك القادر الولي الرحيم.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.